عام، وخاص. فالقرب العام، قربه بعلمه، من جميع الخلق، وهو المذكور في قوله تعالى (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد).
والقرب الخاص، قربه من عابديه، وسائليه، ومحبيه، وهو المذكور في قوله تعالى (واسجد واقترب).
وفي هذه الآية، وفي قوله تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)، وهذا النوع، قرب يقتضي
إلطافه تعالى، وإجابته لدعواتهم، وتحقيقه لمراداتهم، ولهذا يقرن باسمه (القريب).
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن القرب خاص بالمؤمنين وهذا القول أصح.
لأن الآيات التي استدل بها من عمم القرب وأن له قرباً عاماً إنما المذكور فيها قرب الملائكة.
فقوله تعالى (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) قال ابن القيم: … أنه قربه من العبد بملائكته الذين يصلون إلى قلبه، فيكون أقرب إليه من ذلك العرق، اختاره شيخنا.
وقال أيضاً ابن القيم: المراد بقوله (نحن) أي: ملائكتنا كما قال (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) أي: إذا قرأه عليك رسولنا جبريل، قال: ويدل عليه قوله (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ) فقيد القرب المذكور بتلقي الملكين، فلا حجة في الآية لحلولي ولا معطل.
• قال القرطبي: قوله تعالى (أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع إِذَا دَعَانِ) أي: أقبل عبادة من عبدني؛ فالدعاء بمعنى العبادة، والإجابة بمعنى القبول، دليله ما رواه أبو داود عن النُّعمان بن بَشير عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال (الدعاء هو العبادة) ثم قرأ (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) فسُمِّيَ الدعاء عبادة؛ ومنه قوله تعالى (إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) أي دعائي. فأمر تعالى بالدعاء وحض عليه وسمّاه عبادة، ووعد بأن يستجيب لهم.
(فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) فليدعو لي، وقيل: فليطلبوا أن أجيبهم.