(فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨)). [٥٦ - ٥٨].
(فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله ورسله.
(فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) وكذلك فعل تعالى بمن كفر بالمسيح من اليهود، أو غلا فيه وأطراه من النصارى؛ عَذبهم في الدنيا بالقتل والسبي وأخْذ الأموال وإزالة الأيدي عن الممالك، وفي الدار الآخرة عَذابُهم أشد وأشق (وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ).
• والدنيا هي هذه الحياة التي نعيشها التي قبل الآخرة، وسميت لدنيا لسببين:
السبب الأول: لأنها قبل الآخرة في الزمن.
السبب الثاني: لدناءتها وحقارتها بالنسبة للآخرة. كما قال تعالى (فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) وقال تعالى (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ) وقال -صلى الله عليه وسلم- (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء) رواه الترمذي، وقال -صلى الله عليه وسلم- (لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها) رواه البخاري.
(وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) ينصرهم ويدفع عنهم العذاب، قال تعالى (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ. وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ. وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ. وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ).
(وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) أي: آمنوا بقلوبهم وانقادوا.
(وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) أي: وعملوا بجوارحهم، الأعمال الصالحات، من الأفعال والأقوال، الواجبات والمستحباب، فصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة.
• والعمل الصالح لا يكون صالحاً إلا بشرطين: الشرط الأول: الإخلاص، لقوله -صلى الله عليه وسلم- (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرى ما نوى)، الشرط الثاني: المتابعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- لقوله -صلى الله عليه وسلم- (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). رواه مسلم
• ودائماً يقرن الله العمل بالصالح، لأنه ليس كل عمل يقبل إلا إذا كان صالحاً.
قال تعالى (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ … ).
وقال تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً … ).