(إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) يخبر تعالى أنه يعلم غيب السماوات والأرض، ولا يخفى عليه شيء من ذلك.
• قال القرطبي: هذا خبر عن علمه تعالى بالأشياء على التفصيل؛ ومثله في القرآن كثير، فهو العالم بما كان وما يكون وما لا يكون؛ فكيف يكون عيسى إلهاً أو ابن إله وهو تَخْفى عليه الأشياء.
• وقال أبو حيان:(إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء) شيء نكرة في سياق النفي، فتعم، وهي دالة على كمال العلم بالكليات والجزئيات، وعبر عن جميع العالم بالأرض والسماء، إذ هما أعظم ما نشاهده.
• وقال السعدي: وهذا فيه تقرير إحاطة علمه بالمعلومات كلها، جليها وخفيها، ظاهرها وباطنها، ومن جملة ذلك الأجنة في البطون التي لا يدركها بصر المخلوقين، ولا ينالها علمهم، وهو تعالى يدبرها بألطف تدبير، ويقدرها بكل تقدير.
• قوله تعالى:(لا يخفى عليه شيء) تحذير من مخالفته سراً وجهراً.
(هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ) أي: يخلقكم كما يشاء في الأرحام من ذكر وأنثى، وحسن وقبيح، وشقي وسعيد.
• قال الطبري: … فيجعل هذا ذكرًا وهذا أنثى، وهذا أسود وهذا أحمر، يُعرّف عباده بذلك أنّ جميع من اشتملت عليه أرحامُ النساء، ممنّ صوره وخلقه كيف شاء وأنّ عيسى ابن مريم ممن صوّره في رحم أمه وخلقه فيها كيف شاء وأحبّ، وأنه لو كان إلهًا لم يكن ممن اشتملت عليه رحم أمه، لأن خلاف ما في الأرحام لا تكون الأرحامُ عليه مشتملة، وإنما تشتمل على المخلوقين.
• وقال القرطبي: وهذه الآية تعظيم لله تعالى، وفي ضمنها الرد على نصارى نَجْران، وأنّ عيسى من المَصوَّرين، وذلك مما لا ينكره عاقل.
• وقال ابن كثير: وهذه الآية فيها تعريض بل تصريح بأن عيسى ابن مريم عبد مخلوق، كما خلق الله سائر البشر؛ لأن الله تعالى صوره في الرحم وخلقه، كما يشاء، فكيف يكون إلها كما زعمته النصارى - عليهم لعائن الله- وقد تقلب في الأحشاء، وتنقل من حال إلى حال، كما قال تعالى (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ).