وقال رحمه الله: فإن القلوب يخالطها - بغلبة الطبائع وميْل النفوس وحكم العادة، وتزيين الشيطان واستيلاء الغفلة - ما يضاد ما أودع فيها من الإيمان والإسلام، والبر والتقوى، فلو تركت في عافية دائمة مستمرة، لم تتخلص من هذه المخالطة، ولم تتمحص منه.
(وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) وهذه من الحكم أيضاً، فإن الله إذا أراد أن يهلك أعداءه ويَمحقَهم، قيّض لهم الأسباب التي يستوجبون بها هلاكهم ومَحْقهم، ومن أعظمها - بعد كفرهم - بَغيهم وطغيانهم، ومبالغتهم في أذى أوليائه، ومحاربتهم وقتالهم، والتسلط عليهم، فيتمحص بذلك أولياؤه من ذنوبهم وعيوبهم، ويزداد بذلك أعداؤه من أسباب محقهم وهلاكهم.
قال أبو حيان: المعنى: أن الدولة إن كانت للكافرين على المؤمنين كانت سبباً لتمييز المؤمن من غيره، وسبباً لاستشهاد من قتل منهم، وسبباً لتطهير المؤمن من الذنب، فقد جمعت فوائد كثيرة للمؤمنين، وإن كان النصر للمؤمنين على الكافرين كان سبباً لمحقهم بالكلية واستئصالهم.