(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (١١٢)). [آل عمران: ١١٢].
(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا) أي: لزمهم الذل والهوان أينما وجدوا.
• قال ابن عاشور: ومعنى ضرب الذلّة اتَّصالها بهم وإحاطتها.
• اختلف في المراد بالذل هنا على أقوال:
الأول: أن المراد أن يحاربوا ويقتلوا وتغنم أموالهم وتسبى ذراريهم وتملك أراضيهم فهو كقوله تعالى: (اقتلوهم حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ).
الثاني: أن هذه الذلة هي الجزية، وذلك لأن ضرب الجزية عليهم يوجب الذلة والصغار.
والثالث: أن المراد من هذه الذلة أنك لا ترى فيهم ملكاً قاهراً ولا رئيساً معتبراً، بل هم مستخفون في جميع البلاد ذليلون مهينون.
• ضربت عليهم الذلة لأنهم تكبروا، فكل متكبر مصيره إلى الذل عقوبة له.
• أسباب الذل:
أولاً: استمراء المعاصي وتسويف التوبة:
قال تعالى (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ).
قال أبو حيان الأندلسي: لما ذكر تعالى حلول العقوبة بهم من ضرب الذلة والمسكنة والمباءة بالغضب، بين علة ذلك، فبدأ بأعظم الأسباب في ذلك، وهو كفرهم بآيات الله. ثم ثنى بما يتلو ذلك في العظم وهو قتل الأنبياء، ثم أعقب ذلك بما يكون من المعاصي، وما يتعدى من الظلم.
وقال الحسن البصري: أما والله لئن تدقدقت بهم الهماليج ووطئت الرحال أعقابهم، إن ذل المعاصي لفي قلوبهم، ولقد أبى الله أن يعصيه عبد إلا أذله.