(فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (٦١) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦٢) فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (٦٣)). [آل عمران: ٦١ - ٦٣].
(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ) يقول تعالى آمرا رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يُبَاهِلَ مَنْ عَانَدَ الحق في أمر عيسى بعد ظهور البيانِ (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ) أي: نحضرهم في حال المباهلة.
• قوله تعالى (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ) المحاجة المجادلة، وسميت المجادلة محاجة، لأن كل واحد من المتجادلين يدلي بحجته من أجل أن يخصم الآخر ويحجه، وقوله (فيه) أي: في عيسى، في شأنه وقضيته.
(ثُمَّ نَبْتَهِلْ) أي: نلتعن.
• قال ابن عاشور: والابتهال مشتق من البهل وهو الدعاء باللعن ويطلق على الاجتهاد في الدعاء مطلقاً لأن الداعي باللعن يجتهد في دعائه والمراد في الآية المعنى الأول.
(فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) أي: منا ومنكم.
وكان سبب نزول هذه المباهلة وما قبلها من أول السورة إلى هنا في وفد نجران، أن النصارى حين قدموا فجعلوا يُحَاجّون في عيسى، ويزعمون فيه ما يزعمون من البنوة والإلهية، فأنزل الله صَدْرَ هذه السورة رَدا عليهم.
والمباهلة لم تتم بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين النصارى.
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ (جَاءَ الْعَاقِبُ وَالسَّيِّدُ صَاحِبَا نَجْرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُرِيدَانِ أَنْ يُلَاعِنَاهُ، قَالَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ لَا تَفْعَلْ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ نَبِيًّا فَلَاعَنَّا، لَا نُفْلِحُ نَحْنُ وَلَا عَقِبُنَا مِنْ بَعْدِنَا. قَالَا إِنَّا نُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَنَا، وَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلاً أَمِيناً، وَلَا تَبْعَثْ مَعَنَا إِلاَّ أَمِيناً. فَقَالَ «لأَبْعَثَنَّ مَعَكُمْ رَجُلاً أَمِيناً حَقَّ أَمِينٍ». فَاسْتَشْرَفَ لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ «قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ». فَلَمَّا قَامَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ).
وعن ابن عباس، قال (قال أبو جهل: إن رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي عند الكعبة لآتينه حتى أطَأ على عنقه. قال: فقال: لو فعلَ لأخَذته الملائكةُ عيانًا، ولو أن اليهود تمنَّوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرَجَعوا لا يجدون مالا ولا أهلاً) رواه أحمد.
وفي صحيح مسلم (أنه لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً) رواه مسلم.