(أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٧٦) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (٧٧)). [البقرة: ٧٥ - ٧٧].
(أَفَتَطْمَعُونَ) أيها المؤمنون.
(أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) أي: ينقاد لكم بالطاعة، هؤلاء الفرقة الضالة من اليهود، الذين شاهدوا من الآيات البينات ما شاهدوه ثم قست قلوبهم من بعد ذلك.
• قال القاسمي (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) أي: هؤلاء اليهود الذين بين أظهركم، وهم متماثلون في الأخلاق الذميمة، لا يأتي من أخلاقهم إلا مثل ما أتى من أسلافهم.
• قال القرطبي: قوله تعالى (أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ) هذا استفهام فيه معنى الإنكار، كأنه أيأسهم من إيمان هذه الفرقة من اليهود؛ أي إن كفروا فلهم سابقة في ذلك.
والخطاب لأصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وذلك أن الأنصار كان لهم حرص على إسلام اليهود للحلف والجِوار الذي كان بينهم.
وقيل: الخطاب للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- خاصة.
أي لا تحزن على تكذيبهم إياك، وأخبره أنهم من أهل السوء الذين مضوا.
• قال الرازي: المراد بقوله (أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ) هم اليهود الذين كانوا في زمن الرسول -عليه السلام- لأنهم الذين يصح فيهم الطمع في أن يؤمنوا وخلافه لأن الطمع إنما يصح في المستقبل لا في الواقع.
• قال ابن عاشور: فإن قلت، كيف يُنهى عن الطمع في إيمانهم أو يُعَجَّب به والنبي والمسلمون مأمورون بدعوة أولئك إلى الإيمان دائماً؟ وهل لمعنى هذه الآية ارتباط بمسألة التكليف بالمحال الذي استحالته لتعلق عِلْمِ الله بعدم وقوعه؟
قلت: إنما نُهينا عن الطمع في إيمانهم لا عن دعائهم للإيمان لأننا ندعوهم للإيمان وإن كنا آيسين منه لإقامة الحجة عليهم في الدنيا عند إجراء أحكام الكفر عليهم وفي الآخرة أيضاً، ولأن الدعوة إلى الحق قد تصادف نفساً نيّرة فتنفعها، فإن استبعاد إيمانه حُكم على غالبهم وجَمْهَرتهم أما الدعوة فإنها تقع على كل فرد منهم.
(وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) اختلف العلماء في المراد بكلام الله هنا:
فقيل: المراد السبعون الذين اختارهم موسى -عليه السلام-، فسمعوا كلام الله فلم يمتثلوا أمره وحرفوا القول في إخبارهم لقولهم.
وضعف هذا القول بعض العلماء، لأن فيها (إذهابا) لفضيلة موسى في اختصاصه (بالتّكليم).
وقيل: المراد بكلام الله التوراة، حرفوا ما فيها من الأحكام ونعت محمداً -صلى الله عليه وسلم-، وهذا الصحيح، ورجحه القرطبي، وابن كثير، وابن الجوزي.
قال أبو العالية: عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد -صلى الله عليه وسلم- فحرفوه عن مواضعه.