للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٧)). [آل عمران: ٧٧].

(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ) أي: يأخذون.

• والاشتراء في لغة العرب: الاستبدال، فكل شيء استبدلته بشيء فقد اشتريته

(بِعَهْدِ اللَّهِ) هو ما عاهدوا عليه من الإيمان بالنبي -صلى الله عليه وسلم-.

وقيل: بعهد الله، أي: بعهدهم مع الناس، وأضافه الله إلى نفسه لأنه أمر بالوفاء به. قال تعالى (وأوفوا بعهد الله)

(وَأَيْمَانِهِمْ) أي: ويشترون أيضاً بأيمانهم ثمناً قليلاً.

والأيمان جمع يمين، وهي الحلف بالله تعالى، فيحلف على جحد حق واجب عليه، أو يحلف على دعوى حق له، وهو كاذب قال الرازي: قوله تعالى (إِنَّ الذين يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله) يدخل فيه جميع ما أمر الله به ويدخل فيه ما نصب عليه الأدلة ويدخل فيه المواثيق المأخوذة من جهة الرسول، ويدخل فيه ما يلزم الرجل نفسه، لأن كل ذلك من عهد الله الذي يلزم الوفاء به.

قال تعالى (وَمِنْهُمْ مَّنْ عاهد الله لَئِنْ ءاتانا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ) الآية وقال (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ العهد كَانَ مَسْؤُولاً) وقال (يُوفُونَ بالنذر) وقال: (مّنَ المؤمنين رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عاهدوا الله عَلَيْهِ).

(ثَمَناً قَلِيلاً) وهي حطام الدنيا وعرضها الخسيس الزائل.

• قال الآلوسي: وصف ذلك بالقلة لقلته في جنب ما يفوتهم من الثواب ويحصل لهم من العقاب.

وقال رحمه الله: ووجه المشابهة بين إعراضهم وبين الاشتراء، أن إعراضهم عن آيات القرآن لأجل استبقاء السيادة، والنفع في الدنيا يشبه استبدال المشترِي في أنه يعطي ما لا حاجة له به ويأخذ ما إليه احتياجه وله فيه منفعته.

وقال رحمه الله: (ثمناً قليلاً) وقد أجمل العوض الذي استبدلوا به، فلم يبين أهو الرئاسة أو الرشى التي يأخذونها ليشمل ذلك اختلاف أحوالهم فإنهم متفاوتون في المقاصد التي تصدهم عن اتباع الإسلام على حسب اختلاف همهم.

• قال القرطبي: وهذه الآية وإن كانت خاصة ببني إسرائيل فهي تتناول مَن فعل فعلهم.

سئل الحسن البصري عن قوله تعالى (ثَمَناً قَلِيلاً) قال: الثمن القليل الدنيا بحذافيرها.

• فالثمن القليل: يشمل المال والمنصب والجاه والشهرة والرفعة، فإن أحبار اليهود لو آمنوا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- لذهبت عنهم بعض ما هم فيه من المكانة والمنزلة والرفعة.

وقد صدق من قال من السلف: من أحب أن يعرف ذهب دينه.

قال الحسن -رحمه الله: عقوبة العالم موت القلب، قيل له: وما موت القلب؟ قال: طلب الدنيا بعمل الآخرة (جامع بيان العلم وفضله).

<<  <  ج: ص:  >  >>