(مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا (٨٥)). [النساء: ٨٥].
(مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا) أي: من سعى في أمر فترتب عليه خير كان له نصيب من ذلك.
• قال القاسمي: أي يتوسط في أمر فيترتب عليه خير من دفع ضر، أو جلب نفع، ابتغاء لوجه الله تعالى، ومنه حمل المؤمنين على قتال الكفار.
• قال ابن عاشور: والمقصود مع ذلك الترغيب في التوسّط في الخير والترهيب من ضدّه.
والشفاعة: الوساطة في إيصال خير أو دفع شرّ، سواء كانت بطلب من المنتفع أم لا، وفي الحديث (اشفعوا فلْتؤجروا).
وما ذكره ابن كثير هو أحد الأقوال في المسألة، لأن العلماء اختلفوا في معنى (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا).
• قال القرطبي: واختلف المتأوّلون في هذه الآية؛ فقال مجاهد والحسن وابن زيد وغيرهم هي في شفاعات الناس بينهم في حوائجهم؛ فمن يشفع لينفع فله نصيب، ومن يشفع ليضر فله كِفْل.
وقيل: الشفاعة الحسنة هي في البر والطاعة، والسيئة في المعاصي.
فمن شَفَع شفاعة حسنة ليصلح بين اثنين استوجب الأجر، ومن سعى بالنميمة والغِيبة أثم، وهذا قريب من الأوّل.
وقيل: يعني بالشفاعة الحسنة الدعاءَ للمسلمين، والسيئةِ الدعاءَ عليهم.
وقيل: المعنى من يكن شَفْعاً لصاحبه في الجهاد يكن له نصيبه من الأجر، ومن يكن شفعاً لآخرَ في باطل يكن له نصيبه من
الوِزر. (تفسير القرطبي)
وقال ابن العربي: اُخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً) عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: مَنْ يَزِيدُ عَمَلًا إلَى عَمَلٍ.
الثَّانِي: مَنْ يُعِينُ أَخَاهُ بِكَلِمَةٍ عِنْدَ غَيْرِهِ فِي قَضَاءِ حَاجَةٍ.
قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- (اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاءَ).
الثَّالِثُ: قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي مَعْنَاهُ: مَنْ يَكُنْ يَا مُحَمَّدُ شَفِيعًا لِوِتْرِ أَصْحَابِكَ فِي الْجِهَادِ لِلْعَدُوِّ يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْأَجْرِ.
وَمَنْ يَشْفَعْ وِتْرًا مِنْ الْكُفَّارِ فِي جِهَادِكَ يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْإِثْمِ.
وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَقَدْ تَكُونُ الشَّفَاعَةُ غَيْرَ جَائِزَةٍ، وَذَلِكَ فِيمَا كَانَ سَعْيًا فِي إثْمٍ أَوْ فِي إسْقَاطِ حَدٍّ بَعْدَ وُجُوبِهِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ شَفَاعَةً سَيِّئَةً. (أحكام القرآن).
واختار هذا القول ابن جرير حيث قال: من يَصِر يا محمد شفعاً لوتر أصحابك، فيشفع في جهاد عدوهم وقتالهم في سبيل الله، وهو الشفاعة الحسنة (يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا) يكن له من شفاعته تلك نصيب، وهو الحظ من ثواب الله وجزيل كرامته.