(نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (٣) مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (٤)). [آل عمران: ٣ - ٤].
(نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ) أي: نزل عليك القرآن يا محمد
• قال أبو حيان: الكتاب هنا: القرآن، باتفاق المفسرين.
(بِالْحَقِّ) أي: لا شك به ولا ريب، بل هو منزل من عند الله، أنزله بعلمه والملائكة يشهدون، وكفى بالله شهيداً.
• الباء للملابسة وللتعدية: أي أن القرآن نفسه نزل حقاً من عند الله لا من عند غيره، وتكون للتعدية: بمعنى أن الكتاب نزل بالحق أي: أن ما اشتمل عليه القرآن فهو حق، فعلى الوجه يكون المراد بقوله: بالحق تأكيد أنه نزل من عند الله، وعلى الوجه الثاني يكون المعنى: أن كل ما اشتمل عليه القرآن من أوامر ونواهي وأخبار فهو حق.
• اختلف العلماء هل (نزّل) (وأنزل) بمعنى واحد أم لا؟
فقيل: هما بمعنى واحد.
وهذا قول أبي حيان وابن عاشور.
ويدل لهذا القول:
أولاً: أنه جاء في وصف القرآن (نزّل) (وأنزل) كما قال تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ) وقال تعالى (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ) وقال تعالى (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ).
ثانياً: قوله تعالى (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً) فجمع بين التضعيف وبين قوله (جُمْلَةً وَاحِدَةً).
وقيل: إن المغايرة بين اللفظين في الآية تدل على نزول القرآن منجماً ونزول الكتابين جملة.
وبهذا قال البغوي والزمخشري وابن الجوزي والقرطبي والبيضاوي والشوكاني.
قال ابن الجوزي: وقيل: إنما قال في القرآن (نزّل) بالتشديد، وفي التوراة والإنجيل: أنزل، لأن كل واحد منهما أنزل في مرة واحدة، وأنزل القرآن في مرات كثيرة.
وقال الزمخشري: فإن قلت: لم قيل (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ) (وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ) قلت: لأن القرآن نزل منجماً، ونزل الكتابان جملة.