الحجة الرابعة: قوله تعالى (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر والفسوق والعصيان) وهذا صريح في أن المنهيات أقسام ثلاثة: أولها: الكفر، وثانيها: الفسوق، وثالثها: العصيان، فلا بد من فرق بين الفسوق وبين العصيان ليصح العطف، وما ذاك إلا لما ذكرنا من الفرق بين الصغائر وبين الكبائر، فالكبائر هي الفسوق، والصغائر هي العصيان.
• قال ابن الجوزي: وقيل كلُّ ما عُصي الله به، روي عن ابن عباس، وعبيدة، وهو قول ضعيف.
• وها هنا ثلاثة أمور ينبغي الالتفات إليها والتفطن لها:
أولها: أن الإصرار على الصغيرة قد يجعلها كبيرة.
قال ابن القيم رحمه الله: الإصرار على الصغيرة قد يساوي إثمه إثم الكبيرة أو يربى عليها.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا أصر الإنسان على الصغيرة وصار هذا ديدنه صارت كبيرة بالإصرار لا بالفعل، مكالمة المرأة على وجه التلذذ حرام وليس بكبيرة، ولكن إذا أصر الإنسان عليه وصار ليس له هم إلا أن يشغل الهاتف على هؤلاء النساء ويتحدث إليهن صار كبيرة، فالإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة من حيث الإصرار؛ لأن إصراره على الصغيرة يدل على تهاونه بالله عز وجل، وأنه غير مبال بما حرم الله.
ثانيها: أن الاستهانة بالصغائر مهلكة.
فقد روى أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ (إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلًا: كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلَاةٍ فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا فَأَجَّجُوا نَارًا وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا).
• والسيئة سميت بذلك: لأنها سيئة بنفسها وقبيحة، ولأنها تسوء صاحبها حالاً ومآلاً.
[الفوائد]
١ - وجوب اجتناب الكبائر والابتعاد عنها وعن كل سبب يؤدي إليها.