• قال الشنقيطي: (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) لم يبين هنا هذا المكان المأمور بالإتيان منه المعبر عنه بلفظه " حيث " ولكنه بين أن المراد به الإتيان في القبل في آيتين.
إحداهما: هي قوله هنا (فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ) لأن قوله (فَأْتُواْ) أمر بالإتيان بمعنى الجماع، وقوله (حَرْثَكُمْ) يبين أن الإتيان المأمور به إنما هو في محل الحرث، يعني بذر الولد بالنطفة، وذلك هو القبل دون الدبر كما لا يخفى؛ لأن الدبر ليس محل بذر للأولاد، كما هو ضروري.
الثانية: قوله تعالى (فالآن بَاشِرُوهُنَّ وابتغوا مَا كَتَبَ الله لَكُمْ) لأن المراد بما كتب الله لكم الولد، على قول الجمهور، وهو اختيار ابن جرير، وقد نقله عن ابن عباس، ومجاهد، والحكم، وعكرمة والحسن البصري، والسدي، والربيع، والضحاك بن مزاحم، ومعلوم أن ابتغاء الولد إنما هو بالجماع في القبل، فالقبل إذن هو المأمور بالمباشرة فيه، بمعنى الجماع، فيكون معنى الآية: فالآن باشروهن، ولتكن تلك المباشرة في محل ابتغاء الولد، الذي هو القبل دون غيره، بدليل قوله (وابتغوا مَا كَتَبَ الله لَكُمْ) يعني الولد.
• وفي الآية تحريم إتيان الزوجة في دبرها.
وقد جاءت أحاديث في ذلك يقوي بعضها بعضاً:
قال -صلى الله عليه وسلم- (إن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن) رواه الدارمي، والطحاوي، والخطابي وسنده صحيح
وقال -صلى الله عليه وسلم- (إن الله لا ينظر إلى رجلٍ يأتي امرأته في دبرها) رواه النسائي والترمذي وابن حبان وسنده حسن، وحسنه الترمذي، وصححه ابن راهويه.
وقال -صلى الله عليه وسلم- (ملعون من يأتي النساء في محاشّهن. يعني: أدبارهن) رواه ابن عدي بسند حسن.
وقال -صلى الله عليه وسلم- (من أتى حائضاً، أو امرأة في دبرها، أو كاهناً فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أُنزل على محمد) رواه الترمذي.
(وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) أي: من التقرب إلى الله بفعل الخيرات، ومن ذلك أن يباشر الرجل امرأته ويجامعها على وجه القربة والاحتساب، وعلى رجاء تحصيل الذرية الذين ينفع الله بهم.
(وَاتَّقُوا اللَّهَ) وذلك باجتناب نواهيه عموماً، وفي أمر النساء خصوصاً.
(وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) أي: واعلموا أنكم ملاقوه يوم القيامة، فيحاسبكم على أعمالكم، ويجازيكم عليها.
كما قال تعالى (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ).