(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ) هذا أمر من الله بقتال الكفار الذين يقاتلوننا.
وهذا الأمر قد يكون واجباً عينياً وقد يكون واجباً كفائياً.
• قال الشنقيطي: هذه الآية تدل بظاهرها على أنهم لم يؤمروا بقتال الكفار إلا إذا قاتلوهم، وقد جاءت آيات أخر تدل على وجوب قتال الكفار مطلقا؛ قاتلوا أم لا، كقوله تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ)، وقوله (فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَد) والجواب عن هذه بأمور:
الأول: وهو من أحسنها وأقربها - أنّ المراد بقوله (الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ) تهييج المسلمين، وتحريضهم على قتال الكفار، فكأنه يقول لهم: هؤلاء الذين أمرتكم بقتالهم هم خصومكم وأعداؤكم الذين يقاتلونكم، ويدل لهذا المعنى قوله تعالى (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) وخير ما يفسر به القرآن القرآن.
الوجه الثاني: أنها منسوخة، بقوله تعالى (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) وهذا من جهة النظر ظاهر حسن جدا، وإيضاح ذلك أنّ من حكمة الله البالغة في التشريع أنه إذا أراد تشريع أمر عظيم على النفوس ربما يشرعه تدريجيا لتخف صعوبته
بالتدريج.
الوجه الثالث: وهو اختيار بن جرير، ويظهر لي أنه الصواب: أن الآية محكمة، وأن معناها: قاتلوا الذين يقاتلونكم أي من شأنهم أن يقاتلوكم، أما الكافر الذي ليس من شأنه القتال كالنساء، والذراري، والشيوخ الفانية، والرهبان، وأصحاب الصوامع، ومن ألقى إليكم السلم، فلا تعتدوا بقتالهم؛ لأنهم لا يقاتلونكم، ويدل لهذا الأحاديث المصرحة بالنهي عن قتال الصبي، وأصحاب الصوامع، والمرأة، والشيخ الهرم إذا لم يستعن برأيه، أما صاحب الرأي فيقتل كدريد بن الصمة، وقد فسر هذه الآية بهذا المعنى عمر بن العزيز -رضي الله عنه- وابن عباس والحسن البصري.