(لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ (١٢٧) لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (١٢٨)). [آل عمران: ١٢٧ - ١٢٨].
(لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي: أمركم بالجهاد والجلاد، لما له في ذلك من الحكمة في كل تقدير، ولهذا ذكر جميع الأقسام الممكنة في الكفار المجاهدين. فقال: (لِيَقْطَعَ طَرَفًا) أي: ليهلك أمة (مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) فاللام للتعليل، قيل متعلق بقوله (ولقد نصركم الله ببدر) وقيل: متعلق بقوله (وما النصر إلا من عند الله) وقيل: متعلق بمحذوف تقديره: فعل ذلك ليقطع طرفاً.
(أَوْ يَكْبِتَهُمْ) أي: يخزيهم ويردهم بغيظهم لَمّا لم ينالوا منكم ما أرادوا؛ ولهذا قال (أَوْ يَكْبِتَهُمْ).
(فَيَنْقَلِبُوا) أي: يرجعوا.
(خَائِبِينَ) أي: لم يحصلوا على ما أمَّلُوا.
قال قتادة: فقطع الله يوم بدر طرفاً من الكفار، وقتل صناديدهم.
• قال ابن عاشور: وقد استقرى أحوال الهزيمة فإنّ فريقاً قتلوا فقطع بهم طرف من الكافرين، وفريقاً كبتُوا وانقلبوا خائبين، وفريقاً مَنَّ الله عليهم بالإسلام، فأسلموا، وفريقاً عُذّبوا بالموت على الكفر بعد ذلك، أو عذبوا في الدنيا بالذلّ، والصغار، والأسر، والمَنّ عليهم يوم الفتح، بعد أخذ بلدهم و"أو" بين هذه الأفعال للتقسيم.
وهذا القطع والكبت قد مضيا يوم بدر قبل نزول هذه الآية بنحو سنتين، فالتَّعبير عنهما بصيغة المضارع لقصد استحضار الحالة العجيبة في ذلك النصر المبين العزيز النظير.
(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) أي: بل الأمر كلّه إلي.
كما قال (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ).
وقال (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ).
وقال (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ).
(أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) أي: مما هم فيه من الكفر ويهديهم بعد الضلالة.
(أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) أي: في الدنيا والآخرة على كفرهم وذنوبهم؛ ولهذا قال:
(فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) أي: يستحقون ذلك.