(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (٢٤٣)). [البقرة: ٢٤٣].
(أَلَمْ تَرَ) أي: ألم يصل سمعك يا محمد، أو أيها المخاطب.
(إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ) أي: حال أولئك القوم الذين خرجوا من وطنهم وهم ألوف مؤلفة.
• قال القرطبي: قوله تعالى (وهم ألوف) قال الجمهور: هي جمع ألف، قال بعضهم: كانوا ستمائة ألف، وقيل: كانوا ثمانين ألفاً. ابن عباس: أربعين ألفاً. أبو مالك: ثلاثين ألفاً. السدّي: سبعة وثلاثين ألفاً. وقيل: سبعين ألفاً؛ قاله عطاء ابن أبي رباح. وعن ابن عباس أيضاً أربعين ألفاً، وثمانية آلاف؛ رواه عنه ابن جُريج. وعنه أيضاً ثمانية آلاف، وعنه أيضاً أربعة آلاف، وقيل: ثلاثة آلاف. والصحيح أنهم زادوا على عشرة آلاف لقوله تعالى (وَهُمْ أُلُوفٌ) وهو جمع الكثرة، ولا يقال في عشرة فما دونها أُلوف.
وقيل (وهم ألوف) أي: مؤلفة قلوبهم، قال في التسهيل: وهو ضعيف.
(حَذَرَ الْمَوْتِ) أي: خوفاً من الموت وفراراً منه.
قيل: فراراً من الطاعون حين نزل بهم، وقيل: أمروا بالجهاد ففروا منه.
والغرض من الاستفهام التعجيب والتشويق إلى سماع قصتهم.
(فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ) أي: أماتهم الله ثم أحياهم، وهم قوم من بني إسرائيل.
• قوله تعالى (فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُواْ) ففي تفسير (قَالَ الله) وجهان:
الأول: أنه جار مجرى قوله (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) وقد تقدم أنه ليس المراد منه إثبات قول، بل المراد أنه تعالى متى أراد ذلك وقع من غير منع وتأخير، ومثل هذا عرف مشهور في اللغة، ويدل عليه قوله (ثُمَّ أحياهم) فإذا صح الإحياء بالقول، فكذا القول في الإماتة.
والقول الثاني: أنه تعالى أمر الرسول أن يقول لهم: موتوا، وأن يقول عند الإحياء ما رويناه عن السدي، ويحتمل أيضاً ما رويناه من أن الملك قال ذلك، والقول الأول أقرب إلى التحقيق.