وقال تعالى (وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا). فكأنه قال: من قبل أن يأتي يوم لا تجارة فيه فتكتسب ما تفتدي به من العذاب.
والثاني: أن يكون المعنى: قدموا لأنفسكم من المال الذي هو في ملككم قبل أن يأتي اليوم الذي لا يكون فيه تجارة ولا مبايعة حتى يكتسب شيء من المال.
• وإنما قال سبحانه وتعالى (ولا بيع) لأن عادة الإنسان أن ينتفع بالشيء عن طريق البيع والشراء، فيشتري ما ينفعه، ويبيع ما يضره، لكن يوم القيامة ليس فيه بيع.
(وَلا خُلَّةٌ) أي: ولا صديق يدفع عنكم العذاب.
كما قال تعالى (الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين) وقال (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسباب) وقال: (وَيَوْمَ القيامة يَكْفُرُونَ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً).
(وَلا شَفَاعَةٌ) أي: ولا شفيعاً يشفع لكم ليحط عنكم من سيئاتكم إلا أن يأذن الله تعالى.
• قال الرازي: المقصود من الآية أن الإنسان يجيء وحده، ولا يكون معه شيء مما حصله في الدنيا، قال تعالى (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خولناكم وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ) وقال (وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً).
• وينبغي على الإنسان أن ينفق قبل هجوم الموت عليه، قال تعالى (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ).
وقال تعالى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
وقال تعالى (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ).
• واعلم أن السبب في عدم الخلة والشفاعة يوم القيامة أمور:
أحدها: أن كل أحد يكون مشغولاً بنفسه، على ما قال تعالى (لِكُلّ امرئٍ مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْن).
والثاني: أن الخوف الشديد غالب على كل أحد، على ما قال (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى الناس سكارى وَمَا هُم بسكارى).