للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما كان ذلك في الأموال دون غيرها؛ لأن الأموال كثر الله أسباب تَوْثيقها لكثرة جهات تحصيلها وعموم البلْوَى بها وتكررها؛ فجعل فيها التَوثُّق تارة بالكتْبَة وتارة بالإشهاد وتارة بالرهن وتارة بالضمان، وأدخل في جميع ذلك شهادة النساء مع الرجال.

• قال ابن كثير: وهذا إنما يكون في الأموال وما يقصد به المال، وإنما أقيمت المرأتان مقام الرجل لنقصان عقل المرأة، كما جاء عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (يا معشر النساء، تصدقن وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكُن أكثر أهل النار، فقالت امرأة منهن جَزْلة: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: تُكْثرْنَ اللعن، وتكفُرْنَ العشير، ما رأيتُ من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لُب منكن". قالت: يا رسول الله، ما نقصان العقل والدين؟ قال: أما نقصان عقلها فشهادة امرأتين تَعْدل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي لا تصلي، وتفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين).

• وهذا أحد المواضع الخمسة التي تكون فيها الأنثى على النصف من الذكر وهي:

الأول: العقيقة، فإنه عن الأنثى شاة، وعن الذكر شاتان عند الجمهور، وفيه عدة أحاديث صحاح وحسان. والثاني: الشهادة، فإن شهادة امرأتين بشهادة رجل.

والثالث: الميراث، والرابع: الدية، والخامس: العتق.

(مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) فيه دلالة على اشتراط العدالة في الشهود.

(أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا) يعني: المرأتين إذا نسيت الشهادة، أي: لئلا تضل إحداهما فتذكر الأخرى.

(فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى) أي: يحصل لها ذكرى بما وقع به الإشهاد، ولهذا قرأ آخرون: "فَتُذكر" بالتشديد من التذكار.

• في هذا الحكمة في جعل شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد، وهو كون المرأة عرضة للنسيان أكثر بسبب نقصان عقلها، وضعف حفظها وضبطها.

• قال الرازي: المعنى أن النسيان غالب طباع النساء لكثرة البرد والرطوبة في أمزجتهن واجتماع المرأتين على النسيان أبعد في العقل من صدور النسيان على المرأة الواحدة فأقيمت المرأتان مقام الرجل الواحد حتى أن إحداهما لو نسيت ذكرتها الأخرى فهذا هو المقصود من الآية.

• قال ابن عاشور: قوله تعالى (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) وهذه حيطة أخرى من تحريف الشهادة وهي خشية الاشتباه والنسيانِ، لأنّ المرأة أضعف من الرجل بأصل الجبلّة بحسب الغالب، والضلال هنا بمعنى النسيان.

(وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا) قيل: معناه: إذا دعوا للتحمل فعليهم الإجابة، وهو قول قتادة والربيع بن أنس. وهذا كقوله (وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ) ومن هاهنا استفيد أن تَحَمّل الشهادة فرض كفاية.

وقيل -وهو مذهب الجمهور -: المراد بقوله (وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا) للأداء، لحقيقة.

وهذا واجب وقد قال تعالى (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه).

<<  <  ج: ص:  >  >>