ولصلة الرحم بركة وقبول، ولصاحبها تقدير وإجلال لدى جميع الناس باختلاف دياناتهم وانتماءاتهم. ولقد علمت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- منزلة صلة الرحم قبل أن تسلم وقبل أن يُبعث رسول الله، وعلمت أن واصل الرحم لا يخيب، فقد جاءها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يرجف ويقول (زملوني زملوني) عندما جاءه الوحي لأول مرة في الغار، وقال لها (لقد خشيت على نفسي) فماذا قالت له خديجة -رضي الله عنها-؟! قالت: "كلا والله، لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتحمل الكل، وتصل الرحم، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق". متفق عليه.
• وقرأ بعضهم بالجر (والأرحامِ) والمعنى: واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، أي: يسأل بعضكم بعضاً بالله وبالرحم، كما جرت العادة عند العرب يقول أحدهم للآخر: أسألك بالله والرحم التي بيننا.
(إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) أي: هو مراقب لجميع أعمالكم وأحوالكم كما قال تعالى (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).
قال الطبري: (رقيباً) حفيظاً محصياً عليكم أعمالكم متفقداً رعايتكم حرمة أرحاكم وصلتكم إياها وقطعكموها وتضييع حرمتها.
وقال الزجاج: الرقيب هو الحافظ الذي لا يغيب عما يحفظه.
وقال السعدي: الرقيب والشهيد من أسمائه الحسنى هما مترادفان، وكلاهما يدل على إحاطة سمع الله بالمسموعات، وبصره بالمبصرات، وعلمه بجميع المعلومات الجلية والخفية، وهو الرقيب على ما دار في الخواطر، وما تحركت به اللواحظ، ومن باب أولى الأفعال الظاهرة بالأركان.
• الآثار المترتبة بالإيمان بهذا الاسم:
أولاً: أن التعبد لله باسمه (الرقيب) يثمر في القلب مراقبة الله في السر والعلن، في الليل والنهار، في الخلوة والجلوة، لأنه سبحانه مع عبده لا تخفى عليه خافية، يسمع كلامنا، ويرى مكاننا، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فإذا أيقن العبد بهذه الحقائق سعى إلى حفظ قلبه وسمعه وبصره ولسانه وجوارحه كلها من أن يكون منها أو فيها ما يسخط الله.
قال ابن القيم: المراقبة دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق تعالى على ظاهره وباطنه.
ثانياً: فضل مراقبة الله في السر توجب للعبد الإخلاص والخلاص من الكبائر.
كما ورد في الحديث (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله) متفق عليه.
ثالثاً: النصح في العبادة.
كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قِبَل وجهه فإن الله قِبَل وجهه إذا صلى). متفق عليه
رابعاً: تورث القلب خشية وخشوعاً وبكاء.
كما في الحديث (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).
خامساً: ومن قدر على معصية الله في سره ثم راقب الله فتركها خوفاً من الله له ثواب عظيم وينفرج همه وينفس كربه.
كما في قصة صاحب الغار الذي خلا بابنة عمه وتمكن منها ثم قالت اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فقام وتركها وترك المال الذي أرادته خوفاً من الله تعالى فانفرج الغار لعمله.
خامساً: ومن راقب الله في السر حسن عمله وعظم يقينه ووجد حلاوة الإيمان واطمأن قلبه وقذف الله نوراً في قلبه وضياء في وجهه ووجد سعة في رزقه وبركة في أهله وألفة ومحبة فيما بينه وبين الخلق وانعكس ذلك على حياته بالتوفيق والرضا والسعادة.
سادساً: وعبادة السر من أجل الطاعات لأنها مبنية على حسن المراقبة لله والإخلاص المحض واليقين التام وعدم التفات القلب للمخلوقين وثوابهم.