(وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠)). [٤٩ - ٥٠].
(وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ) يقول تعالى: اذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم إذ نجيناكم من آل فرعون (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ) أي: خلصتكم منهم، وأنقذتكم من أيديهم صحبة موسى عليه السلام، وقد كانوا يسومونكم أي يوردونكم ويذيقونكم ويولونكم سوء العذاب وأشده وأفظعه.
• يسومونكم: يذيقونكم ويلزمونكم إياه، وقيل: يديمون عذابكم.
• سبب ذلك: قيل أن فرعون لعنه الله كان قد رأى رؤيا هالته، رأى ناراً خرجت من بيت المقدس فدخلت بيوت القبط ببلاد مصر إلا بيوت بني إسرائيل، مضمونها أن زوال ملكه يكون على يدي رجل من بني إسرائيل، ويقال بعد تحدث سماره عنده بأن بني إسرائيل يتوقعون خروج رجل منهم يكون لهم به دولة ورفعة، فعند ذلك أمر فرعون لعنه الله بقتل كل ذكر يولد بعد ذلك من بني إسرائيل وأن تترك البنات، وأمر باستعمال بني إسرائيل في مشاق الأعمال وأرذلها.
• قال الرازي: اعلم أنه تعالى لما قدم ذكر نعمه على بني إسرائيل إجمالاً بين بعد ذلك أقسام تلك النعم على سبيل التفصيل ليكون أبلغ في التذكير وأعظم في الحجة.
• الإنجاء هو الإنقاذ من المكروه.
• والخطاب للموجودين، والمراد من سلف من الآباء، وقيل: إنما قال نجيناكم، لأن نجاة الآباء كانت سبباً لنجاة هؤلاء الموجودين.
• فرعون: عَلَمٌ على من ملَك مصر كافراً.
(يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ) أي يذبحون الذكور دون الإناث.
وعبر بالتشديد (يذبّحون) دلالة على الكثرة، لأنهم ذبحوا كثيراً من أبنائهم.
• قال الرازي: قال بعض العلماء: إن المراد بقوله (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ) الرجال دون الأطفال ليكون في مقابلة النساء، وأكثر المفسرين على أن المراد بالآية الأطفال دون البالغين، وهذا هو الأولى لوجوه:
الأول: حملاً للفظ الأبناء على ظاهره.
الثاني: أنه كان يتعذر قتل جميع الرجال على كثرتهم.
الثالث: أنهم كانوا محتاجين إليهم في استعمالهم في الصنائع الشاقة.
الرابع: أنه لو كان كذلك لم يكن لإلقاء موسى عليه السلام في التابوت حال صغره معنى.
• وقال الرازي رحمه الله: إن ذبح الذكور دون الإناث مضرة من وجوه:
أحدها: أن ذبح الأبناء يقتضي فناء الرجال، وذلك يقتضي انقطاع النسل، لأن النساء إذا انفردن فلا تأثير لهن البتة في ذلك، وذلك يقضي آخر الأمر إلى هلاك الرجال والنساء.
وثانيها: أن هلاك الرجال يقتضي فساد مصالح النساء في أمر المعيشة، فإن المرأة لتتمنى وقد انقطع عنها تعهد الرجال وقيامهم بأمرها الموت، لما قد يقع إليها من نكد العيش بالانفراد فصارت هذه الخصلة عظيمة في المحن، والنجاة منها في العظم تكون بحسبها.