(مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (١٠٥)). [البقرة: ١٠٥]
(مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) أي: ما يحب الكافرون من اليهود والنصارى ولا المشركون أن ينزّل عليكم شيئاً من الخير، بغضاً فيكم وحسداً، مهما قلّ، لا في الدين ولا في الدنيا ولا في الآخرة.
قال تعالى (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقّ).
• قال ابن كثير: يبين الله عز وجل بهذه الآية شدة عداوة الكافرين من أهل الكتاب والمشركين، والذين حذر الله من مشابهتهم للمؤمنين ليقطع المودة بينهم وبينه.
• وقال الشيخ ابن عثيمين: والخير هنا يشمل خير الدنيا والآخر، والقليل والكثير، لو حصل للكافرين من أهل الكتاب من اليهود والنصارى ومن المشركين أن يمنعوا القطر عن المسلمين لفعلوا، وليس هذا خاصاً بأهل الكتاب والمشركين في زمان الرسول -صلى الله عليه وسلم-، بل هو عام.
قال الشوكاني: فيه بيان شدة عداوة الكفار للمسلمين حيث لا يودّون إنزال الخير عليهم من الله سبحانه.
وقال رحمه الله: والظاهر أنهم لا يودّون أن ينزل على المسلمين أيّ خير كان.
(مَا يَوَدُّ) قال القرطبي: ما يتمنى.
(وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ) أي: والله يخص برحمته من يشاء من عباده، كما قال تعالى (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ).
واختلف في المراد بالرحمة هنا:
فقيل: بالنبوة، خص بها محمداً -صلى الله عليه وسلم-.
وقيل: القرآن.
وقيل: الرحمة في هذه الآية عامة لجميع أنواعها التي قد منحها الله عباده قديماً وحديثاً. [تفسير القرطبي].
وهذا القول هو الصحيح: أن الرحمة عامة وما ذكر من الأقوال السابقة هو تفسير بالمثال فليس بينها تضاد.
وأعظم هذه الرحمة ما خص به نبينا -صلى الله عليه وسلم- وأمته من بعثته فيهم، وإنزال القرآن عليه.
كما قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).
وقال تعالى (وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ).
وقال تعالى (وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).