(فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُوا اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩)).
[البقرة: ٢٤٩].
(فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ) أي: خرج بالجيش وانفصل عن بيت المقدس وجاوزه.
(قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ) أي: مختبركم بنهر.
• قال ابن الجوزي: ووجه الحكمة في ابتلائهم به أن يعلم طالوت من له نية في القتال منهم ومن ليس له نية.
• وقال الرازي: في حكمة هذا الابتلاء وجهان:
الأول: قال القاضي: كان مشهوراً من بني إسرائيل أنهم يخالفون الأنبياء والملوك مع ظهور الآيات الباهرة فأراد الله تعالى إظهار علامة قبل لقاء العدو يتميز بها من يصبر على الحرب ممن لا يصبر، لأن الرجوع قبل لقاء العدو لا يؤثر كتأثيره حال لقاء العدو، فلما كان هذا هو الصلاح قبل مقاتلة العدو لا جرم قال (فَإِنَّ الله مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ).
الثاني: أنه تعالى ابتلاهم ليتعودوا الصبر على الشدائد.
• وقال القرطبي: ومعنى هذا الابتلاء أنه اختبار لهم، فمن ظهرت طاعته في ترك الماء عُلِم أنه مطيع فيما عدا ذلك، ومن غلبته شهوته (في الماء) وعصى الأمر فهو في العصيان في الشدائد أحرى.
(فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) أي: من شرب منه فلا يصحبني - وأراد بذلك أن يختبر إرادتهم وطاعتهم قبل أن يخوض غمار الحرب -.
• قال ابن عاشور: ومعنى قول طالوت (ليس مني) يحتمل أنه أراد الغضب عليه والبعد المعنوي.
ويحتمل أنه أراد أنه يفصله عن الجيش، فلا يكمل الجهاد معه.
والظاهر الأول لقوله (ومن لم يطعَمْه فإنه مني) لأنه أراد به إظهار مكانة من ترك الشرب من النهر وولائه وقربه، ولو لم يكن هذا مراده لكان في قوله (فمن شرب منه فليس مني) غنية عن قوله: ومن لم يطعمه فإنه مني؛ لأنه إذا كان الشارب مبعداً من الجيش فقد علم أن من لم يشرب هو باقي الجيش.