للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجه الدلالة: أن الآية تعم كل مسجد، وخص منها ما تقام فيه الجماعة لأدلة وجوب الجماعة.

قال ابن قدامة في المغني: وَإِنَّمَا اُشْتُرِطَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ، وَاعْتِكَافُ الرَّجُلِ فِي مَسْجِدٍ لَا تُقَامُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ يُفْضِي إلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا تَرْكُ الْجَمَاعَةِ الْوَاجِبَةِ، وَإِمَّا خُرُوجُهُ إلَيْهَا، فَيَتَكَرَّرُ ذَلِكَ مِنْهُ كَثِيرًا مَعَ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَذَلِكَ مُنَافٍ لِلِاعْتِكَافِ، إذْ هُوَ لُزُومُ الْمُعْتَكَفِ وَالْإِقَامَةُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فِيهِ.

[القول الثالث: أنه في كل مسجد سواء تقام فيه الجماعة أم لا.]

وهذا مذهب الشافعية.

لقوله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ). قالوا: وهذا عام يشمل كل المساجد ولا يقبل تخصيصها ببعض المساجد إلا بدليل.

[القول الرابع: أنه لا بد في مسجد جامع.]

وهذا اختيار الصنعاني.

لقول عائشة (لا اعتكاف إلا في مسجد جامع) أخرجه ابن أبي شيبة.

والراجح القول الأول وأنه يصح في كل مسجد جماعة.

(تِلْكَ) الإشارة إلى ما سبق في الآية من إحلال الجماع والأكل والشرب ليالي الصيام حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود بطلوع الفجر الثاني، ومن ثم إتمام الصيام إلى الليل بغروب الشمس، والنهي عن المباشرة حال الاعتكاف في المساجد.

(حُدُودُ اللَّهِ) حدود الله تنقسم إلى قسمين: حدود أوامر وواجبات يجب فعلها، وعدم تركها وتعديها كما قال تعالى (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا).

والقسم الثاني: حدود نواه ومحرمات وممنوعات يجب تركها والبعد عنها وعدم قربها كما قال تعالى (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا).

(فَلا تَقْرَبُوهَا) أي: فلا تقربوا حدود الله ومحرماته، بل ابتعدوا عنها واجتنبوها كما قال تعالى (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً).

وذلك لأن الوسائل لها أحكام الغايات والمقاصد، فالوسيلة المؤدية إلى المحرّم محرمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>