(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (٦٦) وَإِذاً لآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا (٦٧) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (٦٨)). [النساء: ٦٦ - ٦٨].
(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ … ) يخبر تعالى أنه لو كتب على عباده الأوامر الشاقة على النفوس من قتل النفوس والخروج من الديار لم يفعله إلا القليل منهم والنادر، فليحمدوا ربهم وليشكروه على تيسير ما أمرهم به من الأوامر التي تسهل على كل أحد، ولا يشق فعلها، وفي هذا إشارة إلى أنه ينبغي أن يلحظ العبد ضد ما هو فيه من المكروهات، لتخف عليه العبادات، ويزداد حمدًا وشكرًا لربه. (السعدي).
• جاء في التفسير الوسيط: فإن الآية الكريمة تدل على أن اللّه تعالى لم يكلف هذه الأمة إلا بما تستطيعه، لأنه سبحانه لو كلف الناس جميعاً بالتكاليف الشاقة، لما استطاع أن يقوم بها إلا عدد قليل منهم، وهذا الدين لم يجيء لهذا العدد القليل من الناس وإنما جاء للناس جميعاً.
والمراد: أننا لم نكتب على الناس قتل أنفسهم أو خروجهم من ديارهم لأننا لو فعلنا ذلك لما استطاعه إلا عدد قليل منهم. وإنما الذي كتبناه عليهم هو طاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- والخضوع لحكمه في الظاهر والباطن والاستجابة لتوجيهاته في السر والعلن.
فالمقصود من الآية الكريمة بيان لمظهر من مظاهر فضل اللّه على هذه الأمة، ورحمته بها، وتحريض الناس على الامتثال لشريعة اللّه تعالى.
• قال الشوكاني: المعنى: أن الله سبحانه لو كتب القتل والخروج من الديار على هؤلاء الموجودين من اليهود ما فعله إلا القليل منهم - ولذلك لإيثارهم الدنيا على الآخرة - أو لو كتب ذلك على المسلمين ما فعله إلا القليل منهم.
• رجح ابن كثير أن الآية في عموم الناس.
• قال ابن كثير: وهذا من علمه - تبارك وتعالى - بما لم يكن لو كان فكيف كان يكون.
(وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ) ثم أخبر أنهم لو فعلوا ما يوعظون به أي: ما وُظِّف عليهم في كل وقت بحسبه، فبذلوا هممهم، ووفروا نفوسهم للقيام به وتكميله، ولم تطمح نفوسهم لما لم يصلوا إليه، ولم يكونوا بصدده، وهذا هو الذي ينبغي للعبد، أن
ينظر إلى الحالة التي يلزمه القيام بها فيكملها، ثم يتدرج شيئًا فشيئًا حتى يصل إلى ما قدر له من العلم والعمل في أمر الدين والدنيا، وهذا بخلاف من طمحت نفسه إلى أمر لم يصل إليه ولم يؤمر به بعد، فإنه لا يكاد يصل إلى ذلك بسبب تفريق الهمة، وحصول الكسل وعدم النشاط.
• قال الشيخ ابن عثيمين: الأحكام الشرعية مواعظ، ولهذا سمى الله القرآن موعظة فقال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ).