[القول الثاني: هو الطهر.]
وذلك عند الشافعية والمالكية ورواية للحنابلة وهو مروي عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم.
أ-قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ … ).
أي لوقت عدتهن كقوله تعالى (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة) أي: في يوم القيامة، فدل على أنه وقت العدة.
ب-أمره -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عمر لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن يراجع ابن عمر زوجته والحديث الوارد في ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما (أنه طلق امرأته وهي حائض في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأل عمر بن الخطاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: مره فليراجعها. ثم ليتركها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله عز وجل أن يطلق لها النساء).
وهنا قد فسر النبي -صلى الله عليه وسلم- القرء بالطهر بأن جعله زمان العدة والطلاق؛ لأن الطلاق المأمور به في الطهر فوجب أن يكون الطهر هو العدة دون الحيض.
وفي رواية أخرى (طلق ابن عمر امرأته وهي حائض، فسأل عمر النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: مره فليراجعها، قلت: تحتسب؟ قال: أرأيته إن عجز واستحمق؟).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال (حسبت على تطليقة).
الراجح: القول الأول القائل بأن معنى القروء الحيض لا الطهر لذهاب أكابر الصحابة رضوان الله عليهم إليه ومنهم الخلفاء الراشدون، وقد رجحه وصوبه جمع من العلماء.
(وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ) أي: حبَل أو حيض.
• قال الرازي: وذلك لأن المرأة لها أغراض كثيرة في كتمانهما، أما كتمان الحبل فإن غرضها فيه أن انقضاء عدتها بالقروء أقل زماناً من انقضاء عدتها بوضع الحمل، فإذا كتمت الحبل قصرت مدة عدتها فتزوج بسرعة، وربما كرهت مراجعة الزوج الأول، وربما أحبت التزوج بزوج آخر.
أو أحبت أن يلتحق ولدها بالزوج الثاني، فلهذه الأغراض تكتم الحبل، وأما كتمان الحيض فغرضها فيه أن المرأة إذا طلقها الزوج وهي من ذوات الأقراء فقد تحب تطويل عدتها لكي يراجعها الزوج الأول، وقد تحب تقصير عدتها لتبطيل رجعته ولا يتم لها ذلك إلا بكتمان بعض الحيض في بعض الأوقات.