للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وإياك نستعين) فيها وجوب الاستعانة بالله في جميع أموره، فلا توفيق للعبد إلا إذا أعانه العبد.

كما قال تعالى (إياك نعبد وإياك نستعين) وهي كلمة عظيمة جامعة يقال: إن سر الكتب الإلهية كلها ترجع إليها وتدور عليها.

وفي الحديث قال -صلى الله عليه وسلم- (وإذا استعنت فاستعن بالله).

[وفي استعانة الله وحده فائدتان]

إحداهما: أن العبد عاجز عن الاستقلال بنفسه في عمل الطاعات.

والثانية: أنه لا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله فهو المخذول.

وكان -صلى الله عليه وسلم- يعلم أصحابه في خطبته أن يقول: الحمد لله نستعينه.

وأمر معاذاً أن يقول دبر كل صلاة (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادك).

وينبغي الاعتناء بهذا الدعاء لثلاثة أمور: لأنه وصية، ولأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ فيه: إني أحبك، ولأنه دعاء جامع شامل.

وفي دعاء القنوت (اللهم إنا نستعينك .. ).

وقال موسى لقوم (استعينوا بالله واصبروا).

ولما بشر -صلى الله عليه وسلم- عثمان بالجنة على بلوى تصيبه قال: الله المستعان.

ومن كلام بعض العارفين: يا رب عجبت لمن يعرفك يرجو غيرك، عجبت لمن يعرفك كيف يستعين بغيرك.

وكتب الحسن الى عمر بن عبد العزيز: لا تستعن بغير الله فيكلك الله إليه.

• أتى بضمير الجمع في قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين) والحكمة كما قال ابن القيم: الإتيان بضمير الجمع في الموضع أحسن وأفخم، فإن المقام مقام عبودية وافتقار إلى الرب تعالى، وإقرار بالفاقة إلى عبوديته واستعانته وهدايته، فأتى به بصيغة ضمير الجمع أي نحن معاشر عبيدك مقرون لك بالعبودية، وهذا كما يقول العبد للملك المعظم شأنه: نحن عبيدك ومماليكك وتحت طاعتك ولا نخالف أمرك، فيكون هذا أحسن وأعظم موقعاً عند الملك من أن يقول: أنا عبدك ومملوكك.

قال الشيخ السعدي: وذكر الاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيها، لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى، فإنه إن لم يعنه الله، لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر واجتناب النواهي.

• وقال ابن تيمية: وكثير ما يقرن الناس بين الرياء والعجب، فالرياء من باب الإشراك بالخلق، والعجب من باب الإشراك بالنفس، وهذا حال المستكبر، فالمرائي لا يحقق قوله (إياك نعبد) والمعجب لا يحقق قوله (إياك نستعين) فمن حقق قوله (إياك نعبد) خرج عن الرياء، ومن حقق قوله (وإياك نستعين) خرج عن الإعجاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>