وقال ابن تيمية: أعظم ما يكون العبد قدراً وحرمة عند الخلق: إذا لم يحتج إليهم بوجه من الوجوه. كما قيل: احتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره، ومتى احتجت إليهم -ولو في شربة ماء- نقص قدرك عندهم بقدر حاجتك إليهم، وهذا من حكمة الله ورحمته، ليكون الدين كله لله، ولا يشرك به شيئاً.
وقال رحمه الله: سؤال المخلوقين فيه ثلاث مفاسد: مفسدة الافتقار إلى غير الله وهي نوع من الشرك، ومفسدة إيذاء المسؤول وهي نوع من ظلم الخلق، وفيه ذل لغير الله وهو ظلم للنفس، فهو مشتمل على أنواع الظلم الثلاثة.
والرسول -صلى الله عليه وسلم- قال (إنما أنا عبد)، وقد وصفه الله في وصف العبودية في أعلى المنازل:
فقال تعالى في الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً).
وقال تعالى في مقام التحدي (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ).
وقال تعالى في مقام الدعوة (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً).
وكان -صلى الله عليه وسلم- أعبد الناس لربه وأخشاهم له.
ووصف الله بذلك أكمل خلقه وأحبهم إليه وهم رسله وأنبياؤه عليهم الصلاة والسلام.
قال تعالى (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ).
وقال تعالى (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
وقال تعالى عن المسيح (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ).
وقال عنه وعن الملائكة (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ).
وقال أيضاً عن الملائكة (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ. يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ).
والعبادة هي الغاية المحبوبة لله تعالى والمرضية له التي خلق الخلق لها، كما قال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، وبها أرسل جميع الرسل كما قال تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ).