(أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) يقول تعالى في هذه الآية موبخاً هؤلاء القوم بنبذ فريق منهم لما عاهدوا عليه، يقول (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) ثم يبين أن هذا النبذ بالعهد لكون أكثرهم لا يؤمنون.
• قال الرازي: أراد تسلية الرسول عند كفرهم بما أنزل عليه من الآيات بأن ذلك ليس ببدع منهم، بل هو سجيتهم وعادتهم وعادة سلفهم على ما بينه في الآيات المتقدمة من نقضهم العهود والمواثيق حالاً بعد حال لأن من يعتاد منه هذه الطريقة لا يصعب على النفس مخالفته كصعوبة من لم تجر عادته بذلك
• والنبذ الطرح والإلقاء، ومنه سمي اللقيط منبوذاً.
• قيل إن اليهود عاهدوا لئن خرج محمد لنؤمنن به ولنكونن معه على مشركي العرب، فلما بُعِثَ كفروا به، وقال عطاء: هي العهود التي كانت بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين اليهود فنقضوها، كفعل قريظة والنظير.
• قال الشنقيطي عند هذه الآية، قال: ذكر في هذه الآية أن اليهود كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم، وصرح في موضع آخر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو المعاهد لهم وأنهم ينقضون عهدهم في كل مرة، وذلك في قوله تعالى:(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ).
وصرح في آية أخرى بأنهم أهل خيانة إلا القليل منهم، وذلك في قوله:(وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ).
• يجب الحذر من اليهود، فإن من دأبهم الغدر ونقض العهود، كما قال تعالى (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً) وقال تعالى (وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ).
(بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أي: بل أكثر اليهود لا يؤمن بالتوراة الإيمان الصادق لذلك ينقضون العهود والمواثيق.
• قال ابن عاشور: وليس المراد أن ذلك الفريق قليل منهم فنبه على أنه أكثرهم بقوله (بل أكثرهم لا يؤمنون).