• وقال الشنقيطي: أقسم تعالى في هذه الآية الكريمة بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم رسوله -صلى الله عليه وسلم- في جميع الأمور، ثم ينقاد لما حكم به ظاهراً وباطناً، ويسلمه تسليماً كلياً من غير ممانعة، ولا مدافعة، ولا منازعة، وبيّن في آية أخرى أن قول المؤمنين محصور في هذا التسليم الكلي، والانقياد التام ظاهراً وباطناً لما حكم به -صلى الله عليه وسلم- وهي قوله تعالى (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
• وقد قيل في سبب نزولها قصة اليهودي والأنصاري في القصة المتقدمة، واختاره الرازي.
وقيل: نزت في قصة الأنصاري الذي خاصم الزبير في ماء يسقي به النخل … واختاره القرطبي.
عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ (أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: سَرِّحِ الْمَاءَ يَمُرُّ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ، فَاخْتَصَمُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِلزُّبَيْرِ «اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ». فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؛ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ نَبِيِّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ قَالَ «يَا زُبَيْرُ اسْقِ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ». فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً) متفق عليه.
واختار الطّبريّ أن يكون نزول الآية في المنافق واليهودي.
• ولذلك كان السلف من الصحابة ومن بعدهم متمسكين بطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويتشددون على من يردها:
عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ (لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا». قَالَ فَقَالَ بِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ. قَالَ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئاً مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ وَقَالَ أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَتَقُولُ وَاللَّهِ لَنَمْنَعُهُنَّ.
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (أَنَّ قَرِيباً لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ خَذَفَ - قَالَ - فَنَهَاهُ وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنِ الْخَذْفِ وَقَالَ «إِنَّهَا لَا تَصِيدُ صَيْداً وَلَا تَنْكَأُ عَدُوًّا وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ». قَالَ فَعَادَ. فَقَالَ أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عَنْهُ ثُمَّ تَخْذِفُ لَا أُكَلِّمُكَ أَبَداً) متفق عليه.
[الفوائد]
١ - وجوب تحكيم الشريعة في كل شيء مع الرضا والتسليم.
٢ - أن المؤمن الحقيقي لا يرضى إلا بشرع الله.
٣ - تحريم تحكيم غير شرع الله.
٤ - وجوب التسليم لأوامر الله تعالى ورسوله.