للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(نَكَالاً) أي عاقبناها عقوبة فجعلناها عبرة.

• قال القرطبي: والنّكال: الزجر والعقاب، والنِّكْل والأنكال: القيود، وسُمِّيت القيود أنكالاً لأنها يُنْكل بها، أي يمنع، والتّنكيل: إصابة الأعداء بعقوبة تُنَكِّل مَن وراءهم؛ أي تُجَبِّنهم.

(لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا) اختلف العلماء في المراد في قوله: بين يديها وما خلفها.

والصحيح: (بين يديها) أي من بحضرتها من القرى يبلغهم خبرها وما حل بها كما قال تعالى (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) فجعلهم عبرة ونكالاً لمن في زمانهم.

(وما خلفها) من يأتي بعدهم بالخبر المتواتر عنهم.

(وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) المراد بالموعظة هنا الزاجر، أي جعلنا ما أحللنا بهؤلاء من البأس والنكال في مقابلة ما ارتكبوه من محارم الله وما تحيلوا به من الحيل، فليحذر المتقون صنيعهم لئلا يصيبهم ما أصابهم.

• قال الرازي: (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) أن: من عرف الأمر الذي نزل بهم يتعظ به ويخاف إن فعل مثل فعلهم أن ينزل به مثل ما نزل بهم، وإن لم ينزل عاجلاً فلا بد من أن يخاف من العقاب الآجل الذي هو أعظم وأدوم.

• وقال الآلوسي: (وَمَوْعِظَةً لّلْمُتَّقِينَ) الموعظة ما يذكر مما يلين القلب ثواباً كان أو عقاباً.

[الفوائد]

١ - تحريم الحيل المحرمة وأن ذلك من صفات اليهود.

والحيلة: التوصل إلى أمر محرم بفعلٍ ظاهره الإباحة، والحيل حرام لقوله -صلى الله عليه وسلم- (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) ولأن المتحيل فيه نوع استهزاء بالله تعالى.

كل من تحيل لارتكاب محرم [إما بإسقاط واجب أو فعل محرم] فقد ارتكب مفسدتين:

الأولى: مفسدة التحايل. الثانية: مفسدة فعل المحرم.

إسقاط واجب: سافر من أجل أن يفطر، [فعل محرم] قلب الدين كما سبق.

وقد دل على التحريم أدلة كثيرة:

منها: الآية التي معنا حيث عاقبهم الله ومسخهم قردة.

ومنها: قوله -صلى الله عليه وسلم- (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود وتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) رواه ابن أبي بطة.

ومنها: أن الله سبحانه أخبر عن أهل الجنة الذين بلاهم بما بلاهم به في سورة (القلم) وأنه عاقبهم بأنه أرسل على جنتهم طائفاً وهو نائمون فأصبحت كالصريم، وذلك لما تحيلوا على إسقاط نصيب المساكين، بأن يصرموها مصبحين، قبل مجيء المساكين، فكان في ذلك عبرة لكل محتال على إسقاط حق من حقوق الله تعالى أو حقوق عباده.

<<  <  ج: ص:  >  >>