(وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (١٣٩)). [آل عمران: ١٣٩].
(وَلا تَهِنُوا) أي: لا تضعفوا بسبب ما جرى.
قال القرطبي: أي لا تضعفوا ولا تجبنُوا يا أصحاب محمد عن جهاد أعدائكم لما أصابكم.
(وَلا تَحْزَنُوا) على ظهورهم، ولا على ما أصابكم من الهزيمة والمصيبة.
• قال القاسمي: أي: لا تضعفوا عن الجهاد بما نالكم من الجراح، ولا تحزنوا على من قتل منكم، والحال أنكم الأعلون الغالبون دون عدوكم، فإن مصير أمرهم إلى الدمار حسبما شاهدتم من عاقبة أسلافهم، فهو تصريح بالوعد بالنصر بعد الإشعار به فيما سبق.
• قال ابن عاشور: قوله تعالى (ولا تهنوا ولا تحزنوا) نهي للمسلمين عن أسباب الفشل.
والوهن: الضعف، وأصله ضعف الذات: كالجسم في قوله تعالى (ربِّ إنِّي وهَن العظم منِّي).
وهو هنا مجاز في خور العزيمة وضعف الإرادة وانقلاب الرجاء يأساً، والشَّجاعة جبناً، واليقين شكّاً، ولذلك نهوا عنه.
وأمَّا الحزن فهو شدّة الأسف البالغة حدّ الكآبة والانكسار.
والوهنُ والحزن حالتان للنفس تنشآن عن اعتقاد الخيبة والرزء فيترتّب عليهما الاستسلام وترك المقاومة.
وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) الواو للعطف وهذه بشارة لهم بالنَّصر المستقبل، فالعلوّ هنا علوّ مجازيّ وهو علوّ المنزلة.
أي: لا تضعفوا ولا تحزنوا والحال أنكم أنتم الأعلون الغالبون دون عدوكم فأنتم قد أصبتم منهم في غزوة بدر أكثر مما أصابوا منكم في غزوة
أحد. وأنتم تقاتلون من أجل إعلاء كلمة اللّه وهم يقاتلون في سبيل الطاغوت.
وأنتم سيكون لكم النصر عليهم في النهاية، لأن اللّه تعالى قد وعدكم بذلك فهو القائل: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ).
قال القاسمي: وقوله تعالى (إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) متعلق بالنهي أو بالأعلون. وجوابه محذوف لدلالة ما تعلق به عليه، أي: إن كنتم مؤمنين، فلا تهنوا ولا تحزنوا، فإن الإيمان يوجب قوة القلب، والثقة بصنع الله تعالى، وعدم المبالاة بأعدائه. أو إن كنتم مؤمنين فأنتم الأعلون. فإن الإيمان يقتضي العلو لا محالة - أفاده أبو السعود -.
[الفوائد]
١ - النهي عن الوهن والحزن.
٢ - الأمر بالقوة والجهاد.
٣ - أن هذه الأمة هي العليا بشرط الإيمان.
٤ - أنه كلما ازداد إيمان الأمة ازدادت علواً.