(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تصدير الخطاب بهذا النداء فيه ثلاثة فوائد:
الأولى: العناية والاهتمام به والتنبيه.
الثانية: الإغراء، وأن من يفعل ذلك فإنه من الإيمان، كما تقول يا ابن الأجود جُد.
الثالثة: أن امتثال هذا الأمر يعد من مقتضيات الإيمان، وأن عدم امتثاله يعد نقصاً في الإيمان.
(لا تَقُولُوا رَاعِنَا) قال ابن كثير: يخاطب الله المؤمنين بصفة الإيمان لينهاهم أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك أن اليهود كانوا يعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص.
قال ابن عباس: كان المسلمون يقولون للنبي -صلى الله عليه وسلم- راعنا على جهة الطلب والرغبة - من المراعاة - أي التفت إلينا، وكان هذا بلسان اليهود سباً، أي: اسمعْ لا سمعتَ، فاغتنموها وقالوا: كنا نسبه سراً، فالآن نسبه جهراً، فكانوا يخاطبون بها النبي -صلى الله عليه وسلم- ويضحكون فيما بينهم، فسمعها سعد بن معاذ وكان يعرف لغتهم، فقال لليهود: عليكم لعنة الله، لئن سمعتها من رجل منكم يقولها للنبي -صلى الله عليه وسلم- لأضربن عنقه، فقالوا: أولستم تقولونها؟ فنزلت الآية، ونهوا عنها لئلا تقتدي بها اليهود في اللفظ وتقصد المعنى الفاسد فيه.
والأصل أن (راعنا) في اللغة أي: أرعنا سمعك، أي فرغ سمعك لكلامنا.
واليهود لا يقصدون هذا المعنى؛ وإنما يقصدون بها من الرعونة، فتكون (راعنا) أي: إنك ذليل.
قال الشوكاني: وجه النهي عن ذلك أن هذا اللفظ كان بلسان اليهود سباً، قيل إنه في لغتهم بمعنى اسمع لا سمعت؛ وقيل غير ذلك، فلما سمعوا المسلمين يقولون للنبيّ -صلى الله عليه وسلم- راعنا؛ طلباً منه أن يراعيهم من المراعاة، اغتنموا الفرصة، وكانوا يقولون للنبي -صلى الله عليه وسلم- كذلك مظهرين أنهم يريدون المعنى العربي، مبطنين أنهم يقصدون السبّ الذي هو: معنى هذا اللفظ في لغتهم.
وقيل: إنما نهى الله المسلمين عنها لما فيها من الجفاء وقلة التوقير.