للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• قوله تعالى (لَا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ) أضاف الأموال إلى الجميع ولم يقل: لا يأكل بعضكم مال بعض، تنبيهاً على وجوب تكافل المؤمنين في حقوقهم ومصالحهم.

كما قال تعالى (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

• قوله تعالى (لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ) خص الأكل بالنهي - مع أن أخذ الأموال بالطرق المحرمة لأي غرض كان من وجوه الانتفاع بها كله باطل - لأن الأكل هو كسوة البطن، وهو الهدف الأهم.

• قال الرازي: إنه تعالى خص الأكل ههنا بالذكر وإن كانت سائر التصرفات الواقعة على الوجه الباطل محرمة، لما أن المقصود الأعظم من الأموال: الأكل، ونظيره قوله تعالى (إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أموال اليتامى ظُلْماً).

(إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) قال ابن كثير: هو استثناء منقطع كأنه يقول: لا تتعاطوا الأسباب المحرمة في اكتساب الأموال، لكن المتاجر المشروعة التي تكون عن تراض من البائع والمشتري فافعلوها وتسببوا بها في تحصيل الأموال. (عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) أي: صادرة عن تراض من البائع والمشتري.

(وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) لما نهى عن أكل المال بالباطل صيانة للأموال أتبع ذلك بالنهي عن القتل صيانة للأنفس والأبدان فقال (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) أي: لا يقتل أحدكم نفسه، لأن النفس وديعة عند الإنسان، يجب أن يوردها مورد السلامة، ويجنبها موارد الهلاك والعطب في دينها ودنياها.

وأيضاً لا يقتل بعضكم بعضاً، لأن قتل المسلم لأخيه بمثابة قتله لنفسه، كقوله تعالى (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ) أي: ليسلك بعضكم على بعض. وكقوله تعالى (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي: لا يلمز بعضكم بعضاً.

وأيضاً لا تقتلوا أنفسكم بارتكاب محارم الله وتعاطي معاصيه وأكل أموالكم بينكم بالباطل.

• قال القرطبي: وأجمع أهل التأويل على أن المراد بهذه الآية النهي أن يقتل بعض الناس بعضاً.

[فقتل الإنسان لنفسه كبيرة من الكبائر]

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (مَنَ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) متفق عليه.

وعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ (لَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِى الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً لِيَتَكَثَّرَ بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلاَّ قِلَّةً وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ فَاجِرَةٍ، مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلَامِ كَاذِباً فَهُوَ كَمَا قَالَ) متفق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>