(وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) أي: والحال أنه لم يصبكم مثلُ ما أصاب مَن قبلكم مِن أتباع الأنبياء والرسل من الشدائد والمحن والاختبار.
• (مثل) أي: صفة ما وقع لهم، و المثل يكون بمعنى الصفة مثل قوله تعالى (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) أي: صفتها كذا وكذا.
ويكون بمعنى الشبه، كقوله تعالى (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً) أي: شبههم كشبه الذي استوقد ناراً.
(مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ) أي: الفقر.
(وَالضَّرَّاءُ) أي: الأمراض في أبدانهم.
(وَزُلْزِلُوا) بأنواع المخاوف من التهديد بالقتل، والنفي، وأخذ الأموال، وقتل الأحبة، وأنواع المضار حتى وصلت بهم الحال وآل بهم الزلزال إلى أن استبطأوا نصر الله مع يقينهم به.
فتكون الإصابات هنا في ثلاثة مواضع: في المال، والبدن، والنفس.
• قال ابن عاشور: إن القصد من ذكر الأمم السالفة حيثما وقع في القرآن هو العبرة والموعظة والتحذير من الوقوع فيما وقعوا فيه بسوء عملهم والاقتداءُ في المحامد، فكان في قوله تعالى (كان الناس أمة واحدة) الآية إجمال لذلك وقد ختم بقوله (فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه)، ولما كان هذا الختام منقبة للمسلمين أُوقِظوا أنْ لا يُزْهَوْا بهذا الثناء فيحسبوا أنهم قضَوْا حق شكر النعمة، فعقب بأن عليهم أن يصبروا لما عسى أن يعترضهم في طريق إيمانهم من البأساء والضراء اقتداء بصالحي الأمم السالفة، فكما حذرهم الله من الوقوع فيما وقع فيه الضالون من أولئك الأمم، حرضهم هنا على الاقتداء بهدي المهتدين منهم على عادة القرآن في تعقيب البشارة بالنذارة وعكس ذلك.
كما جاء في الحديث الصحيح عن خَبَّاب بن الأرَتّ قال (قلنا: يا رسول الله، ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ فقال: إنّ من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفْرَق رأسه فيخلص إلى قدميه، لا يَصْرفه ذلك عن دينه، ويُمْشَطُ بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه، لا يصرفه ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون).