للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٣٦)). [البقرة: ٣٥ - ٣٦].

(وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) يقول تعالى إخباراً عما أكرم به آدم، بعد أن أمر الملائكة بالسجود له (فسجدوا إلا إبليس) إنه أباحه الجنة يسكن منها حيث يشاء، ويأكل منها حيث يشاء.

وسبق معنى الجنة في اللغة، وفي الاصطلاح، والمراد هنا جنة الخلد.

• قال ابن عاشور: قوله تعالى (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ … ) عطف على (وقلنا للملائكة اسجدوا) أي بعد أن انقضى ذلك قلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة، وهذه تكرمة أكرم الله بها آدم بعد أن أكرمه بكرامة الإجلال من تلقاءِ الملائكة، ونداء آدم قبل تخويله سكنى الجنة نداء تنويه بذكر اسمه بين الملإ الأعلى، لأن نداءه يسترعي إسماع أهل الملإ الأعلى فيتطلعون لما سيخاطب به.

• قال الرازي: قوله (وزوجك) أجمعوا على أن المراد بالزوجة حواء وإن لم يتقدم ذكرها في هذه السورة وفي سائر القرآن ما يدل على ذلك وأنها مخلوقة منه كما قال الله تعالى في سورة النساء (الذي خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحدة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) وفي الأعراف (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)، وروي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (إن المرأة خلقت من ضلع الرجل فإن أردت أن تقيمها كسرتها وإن تركتها انتفعت بها واستقامت).

• قال القرطبي: قال العلماء: ولهذا كانت المرأة عَوْجاء؛ لأنها خُلقت من أعوج وهو الضّلع.

• قال ابن كثير: أَمَرَ اللَّهُ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَسْكُنَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ الْجَنَّةَ فَقَالَ (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ). وقال في الأعراف (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) وَقَالَ تَعَالَى (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى. فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى. إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى. وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى) وسياق هذه الآيات يقتضي أن خلق حواء كان قبل دخول آدم الجنة؛ لقوله (وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) وهذا قد صرح به ابن إسحاق، وَهُوَ ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَاتِ (البداية والنهاية).

<<  <  ج: ص:  >  >>