• اختلف العلماء في الجنة التي أسكنها آدم هل هي جنة الخلد أم لا على قولين:
القول الأول: أنها ليست جنة الخلد، وإنما جنة في الأرض. واستدلوا:
قالوا: إن جنة الخلد يكون دخولها يوم القيامة، ولم يأت زمن دخولها.
وقالوا: وصف الله الجنة بأنها (دار المقامة) فمن دخلها أقام بها، ولم يقم آدم بالجنة التي دخلها.
وقالوا: إن جنة الخلد دار سلامة مطلقة، لا دار ابتلاء وامتحان، وقد ابتلي فيها آدم بأعظم الابتلاء.
وقالوا: ولو كان آدم أسكن جنة الخلد، فكيف توصل إليها إبليس الرجس النجس المذموم حتى فتن فيها آدم.
القول الثاني: أنها جنة الخلد. واستدلوا:
بقوله تعالى (اهبطوا) والهبوط يكون من أعلى إلى أسفل.
وقالوا: إن الله وصفها بصفات لا تكون إلا في جنات الخلد فقال (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى، وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى) وهذا لا يكون في الدنيا أصلاً.
وجاء في الصحيحين في حديث احتجاج آدم وموسى، (قال موسى لآدم: أخرجتنا ونفسك من الجنة) ولو كانت في الأرض فهم قد خرجوا من بساتين، فلم يخرجوا من الجنة.
وهذا القول هو الصحيح.
• قال القرطبي: ولا التفات لما ذهبت إليه المعتزلة والقدرية من أنه لم يكن في جنة الخُلْد وإنما كان في جنة بأرض عَدَن.
واستدلوا على بدعتهم بأنها لو كانت جنة الخلد لما وصل إليه إبليس، فإن اللَّه يقول (لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ) وقال (لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا كِذَّاباً) وقال (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تَأْثِيماً إِلاَّ قِيلاً سَلَاماً)، وأنه لا يخرج منها أهلها لقوله: (وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ)، وأيضاً فإن جنة الخُلْد هي دار القُدْس، قُدّست عن الخطايا والمعاصي تطهيراً لها، وقد لَغَا فيها إبليس وكَذَب،
وأُخْرِج منها آدم وحواء بمعصيتهما.
قالوا: وكيف يجوز على آدم مع مكانه من الله وكمال عقله أن يطلب شجرة الخُلْد وهو في دار الخُلْد والمُلْك الذي لا يبلَى؟ فالجواب: أن الله تعالى عَرّف الجنة بالألف واللام؛ ومن قال: أسأل الله الجنة؛ لم يُفهم منه في تعارف الخلق إلا طلب جنة الخلد.
ولا يستحيل في العقل دخول إبليس الجنة لتغرير آدم؛ وقد لَقِي موسى آدم عليهما السلام فقال له موسى: أنت أشقيتَ ذُرّيتك وأخرجتهم من الجنة؛ فأدخل الألف واللام ليدل على أنها جنة الخلد المعروفة، فلم ينكر ذلك آدم، ولو كانت غيرها لردّ على موسى؛ فلما سكت آدم على ما قَرّره موسى صحّ أن الدار التي أخرجهم الله عزّ وجلّ منها بخلاف الدار التي أُخرجوا إليه.
وأما ما احتجوا به من الآي فذلك إنما جعله الله فيها بعد دخول أهلها فيها يوم القيامة، ولا يمتنع أن تكون دار الخلد لمن أراد الله تخليده فيها وقد يخرج منها من قُضي عليه بالفناء.