(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨)). [البقرة: ٢٨].
(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً … ) يقول تعالى محتجاً على وجوده وقدرته وأنه الخالق المتصرف في عباده (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ) أي: كيف تجحدون وجوده أو تعبدون معه غيره.
(وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ) أي: قد كنتم عدماً فأخرجكم إلى الوجود.
• قال الرازي: اتفقوا على أن قوله (وَكُنتُمْ أمواتاً) المراد به وكنتم تراباً ونطفاً، لأن ابتداء خلق آدم من التراب وخلق سائر المكلفين من أولاده إلا عيسى عليه السلام من النطف.
(ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) أي: ثم يميتكم عند استكمال آجالكم.
(ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) حين يبعثكم.
• قال القرطبي: واختلف أهل التأويل في ترتيب هاتين الموتتين والحياتين، وكم من مَوْتة وحياة للإنسان؟ فقال ابن عباس وابن مسعود: أي كنتم أمواتاً معدومين قبل أن تُخلقوا فأحياكم أي خلقكم ثم يميتكم عند انقضاء آجالكم، ثم يحييكم يوم القيامة.
• قال ابن عطية: وهذا القول هو المراد بالآية، وهو الذي لا مَحِيد للكفار عنه لإقرارهم بهما؛ وإذا أذعنتْ نفوس الكفار لكونهم أمواتاً معدومين، ثم للإحياء في الدنيا، ثم للإماتة فيها قَوِي عليهم لزوم الإحياء الآخر وجاء جحدهم له دعوى لا حجة عليها.
(ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فيجازيكم الجزاء الأوفى. …
• قال ابن القيم: فهذا استدلال قاطع على أن الإيمان بالله أمر مستقر في الفطر والعقول وأنه لا عذر لأحد في الكفر به البتة، فذكر تعالى أربعة أمور، ثلاثة منها مشهودة في هذا العالم، والرابع منتظر موعود به وعد الحق:
الأول: كونهم كانوا أمواتاً لا أرواح فيهم بل نطفاً وعلقاً ومضغة مواتاً لا حياة فيها.
الثاني: أنه تعالى أحياهم بعد هذه الإماتة.
الثالث: أنه تعالى يميتهم بعد هذه الحياة.
الرابع: أنه يحييهم بعد هذه الإماتة فيرجعون إليه، فما بال العاقل يشهد الثلاثة الأطوار الأول، ويكذب بالرابع، وهل الرابع إلا طور من أطوار التخليق.