(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٧٨)). [سورة البقرة: ١٧٨]
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي: يا أيها الذين آمنوا بقلوبهم وانقادوا وعملوا بجوارحهم.
• والإيمان إذا أفرد ولم يذكر معه (وعملوا الصالحات) فإنه يشمل جميع خصال الدين من اعتقادات وعمليات، وأما إذا عُطف العمل الصالح على الإيمان كقوله (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) فإن الإيمان حينئذ ينصرف إلى ركنه الأكبر الأعظم وهو الاعتقاد القلبي، وهو إيمان القلب واعتقاده وانقياده بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وبكل ما يجب الإيمان به.
• والإيمان شرعاً: قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان.
• تصدير الخطاب بهذا النداء فيه ثلاثة فوائد:
الأولى: العناية والاهتمام به.
الثانية: الإغراء، وأن من يفعل ذلك فإنه من الإيمان، كما تقول يا ابن الأجود جُد.
الثالثة: أن امتثال هذا الأمر يعد من مقتضيات الإيمان، وأن عدم امتثاله يعد نقصاً في الإيمان. (الشيخ ابن عثيمين).
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) أي: فرض عليكم المماثلة والعدل في القصاص حركم بحركم، وعبدِكم بعبدِكم وأنثاكم بأنثاكم، ولا تتجاوزا وتعتدوا فتقتلوا غير الجاني، فإن أخْذ غير الجاني ليس بقصاص بل هو ظلم واعتداء.
• قال السعدي: يمتن تعالى على عباده المؤمنين، بأنه فرض عليهم (الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) أي: المساواة فيه، وأن يقتل القاتل على الصفة، التي قتل عليها المقتول، إقامة للعدل والقسط بين العباد.
وتوجيه الخطاب لعموم المؤمنين، فيه دليل على أنه يجب عليهم كلهم، حتى أولياء القاتل حتى القاتل بنفسه إعانة ولي المقتول، إذا طلب القصاص وتمكينه من القاتل، وأنه لا يجوز لهم أن يحولوا بين هذا الحد، ويمنعوا الولي من الاقتصاص، كما عليه عادة الجاهلية، ومن أشبههم من إيواء المحدثين.
• كتب عليكم: أي فرض عليكم.
• قال الرازي: قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ) فمعناه: فرض عليكم فهذه اللفظة تقتضي الوجوب من وجهين:
أحدهما: أن قوله تعالى (كتب) يفيد الوجوب في عرف الشرع قال تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام).
والثاني: لفظة (عَلَيْكُمْ) مشعرة بالوجوب كما في قوله تعالى (وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت).
والقصاص: لغة تتبع الأثر كالقصص، واصطلاحاً: هو أن يفعل بالجاني كما فَعل، إن قَتَل قُتِل، وإن قطع طرفاً قُطِع طرفه،
وهكذا.