(فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (٨٨)). [النساء: ٨٨].
(فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ) عن زيد بن ثابت (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى أحد، فرجع ناس خرجوا معه، فكان أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيهم فرقتين، فرقة تقول: نقاتلهم، وفرقة تقول: لا، فأنزل الله: فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ، فقال -صلى الله عليه وسلم-: إنها طيبة، وإنها تنفي الخَبَث كما تنفي النار خبث الفضة) رواه مسلم.
• والمراد بهؤلاء المنافقين: عبدالله بن أبيّ ومن معه، رجعوا بثلث الجيش يوم غزوة أحد.
والمعنى: أي مالكم أيها المؤمنون أصبحتم فرقتين في شأن المنافقين، بعضكم يقول نقتلهم وبعضكم يقول: لا نقتلهم، والحال: أنهم منافقون.
• والاستفهام لإنكار خلافهم في شأن المنافقين ولوم المؤمنين الذين أحسنوا الظن بالمنافقين مع أن أحوال هؤلاء المنافقين تدعو إلى سوء الظن بهم.
والمعنى: لقد سقت لكم - أيها المؤمنون - من أحوال المنافقين ما يكشف عن خبثهم ومكرهم، وبينت لكم من صفاتهم ما يدعو إلى الحذر منهم وسوء الظن بهم، وإذا كان هذا هو حالهم فما الذي سوغ لكم أن تختلفوا في شأنهم إلى فئتين؟ فئة تحسن الظن بهم وتدافع عنهم، وفئة أخرى صادقة الفراسة، سليمة الحكم لأنها عند ما رأت الشر قد استحوذ على المنافقين أعرضت عنهم، واحتقرتهم، وأخذت حذرها منهم، وحكمت عليهم بالحكم الذي رضيه اللّه - تعالى.
والآن - أيها المؤمنون - بعد أن ظهر الحق، وانكشف حال أولئك المنافقين، عليكم أن تتركوا الخلاف في شأنهم، وأن تتفقوا جميعا على أنهم قوم بعيدون عن الحق والإيمان ومنغمسون في الضلال والبطلان.
• قال ابن عاشور: فتكون الآية لبيان أنّه ما كان ينبغي التردّد في أمرهم.
قال القرطبي: والمعنِيّ بالمنافقين هنا عبد الله بن أُبيّ وأصحابه الذين خذلوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أُحُد ورجعوا بعسكرهم بعد أن خرجوا؛ كما تقدّم في آل عمران.
وقال ابن عباس: هم قوم بمكة آمنوا وتركوا الهجرة، قال الضحاك: وقالوا إن ظهر محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد عرفنا، وإن ظهر قومنا فهو أحبّ إلينا.
فصار المسلمون فيهم فئتين قوم يتولَّوْنهم وقوم يتبرّؤون منهم؛ فقال الله عز وجل (فَمَا لَكُمْ فِي المنافقين فِئَتَيْنِ).