(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيدًا (١٣٦)). [النساء: ١٣٦].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ) والإيمان بالله يتضمن: الإيمان بوجوده وبربوبيته وبألوهيته وبأسمائه وصفاته.
• فإن قيل: كيف يأمر هم الله بالإيمان وهم متصفون بذلك؟
قيل: المراد المداومة على ذلك والثبات عليه وتكميل النقائص.
• قال ابن كثير: يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بالدخول في جميع شرائع الإيمان وشُعَبهِ وأركانه ودعائمهِ، وليس هذا من باب تحصيل الحاصل، بل من باب تكميل الكامل وتقريره وتثبيته والاستمرار عليه.
• وقال السعدي: اعلم أن الأمر إما أن يوجه إلى من لم يدخل في الشيء ولم يتصف بشيء منه، فهذا يكون أمراً له في الدخول فيه، وذلك كأمر من ليس بمؤمن بالإيمان، كقوله تعالى (يَأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نزلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ).
وإما أن يوجه إلى من دخل في الشيء، فهذا يكون أمره ليصحح ما وجد منه ويحصل ما لم يوجد، ومنه ما ذكره الله في هذه الآية من أمر المؤمنين بالإيمان، فإن ذلك يقتضي أمرهم بما يصحح إيمانهم من الإخلاص والصدق، وتجنب المفسدات والتوبة من جميع المنقصات، ويقتضي أيضا الأمر بما لم يوجد من المؤمن من علوم الإيمان وأعماله، فإنه كلما وصل إليه نص وفهم معناه واعتقده فإن ذلك من الإيمان المأمور به.
• وقال الماوردي: قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) فإن قيل فكيف قيل لهم (ءَامِنُواْ) وحُكِي عنهم أنهم آمنوا؟ فعن ذلك ثلاثة أجوبة:
أحدها: يا أيها الذين آمنواْ بمن قبل محمد من الأنبياء آمنواْ بالله ورسوله ويكون ذلك خطاباً ليهود والنصارى.
الثاني: معناه يا أيها الذين آمنوا بأفواههم أمنواْ بقلوبكم، وتكون خطاباً للمنافقين.
والثالث: معناه يا أيها الذين آمنوا داومواْ على إيمانكم، ويكون هذا خطاباً للمؤمنين، وهذا قول الحسن.
• وقال الآلوسي: قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ) خطاب للمسلمين كافة فمعنى قوله تعالى (ءامِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ والكتاب الذى نَزَّلَ على رَسُولِهِ والكتاب الذى أَنَزلَ مِن قَبْلُ) أثبتوا على الإيمان بذلك وداوموا عليه، وروي هذا عن الحسن واختاره الجبائي.
وقيل: الخطاب لهم، والمراد ازدادوا في الإيمان طمأنينة ويقيناً، أو: آمنوا بما ذكر مفصلاً بناءاً على أن إيمان بعضهم إجمالي، وأياً مّا كان فلا يلزم تحصيل الحاصل، وقيل: الخطاب للمنافقين المؤمنين ظاهراً فمعنى (ءامَنُواْ) أخلصوا الإيمان، واختاره الزجاج وغيره.
(وَرَسُولِهِ) أي: محمد -صلى الله عليه وسلم-.