(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٢٠٠)). (آل عمران: ٢٠٠)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تصدير الخطاب بهذا النداء فيه ثلاثة فوائد:
الأولى: العناية والاهتمام به والتنبيه.
الثانية: الإغراء، وأن من يفعل ذلك فإنه من الإيمان، كما تقول يا ابن الأجود جُد.
الثالثة: أن امتثال هذا الأمر يعد من مقتضيات الإيمان، وأن عدم امتثاله يعد نقصاً في الإيمان. (ابن عثيمين).
والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بقلوبهم وانقادوا وعملوا بجوارحهم.
• والإيمان إذا أفرد ولم يذكر معه (وعملوا الصالحات) فإنه يشمل جميع خصال الدين من اعتقادات وعمليات، وأما إذا عُطف العمل الصالح على الإيمان كقوله (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) فإن الإيمان حينئذ ينصرف إلى ركنه الأكبر الأعظم وهو الاعتقاد القلبي، وهو إيمان القلب واعتقاده وانقياده بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وبكل ما يجب الإيمان به. (الشنقيطي).
• قال ابن عاشور: ختمت السورة بوصاية جامعة للمؤمنين تجدّد عزيمتهم وتبعث الهمم إلى دوام الاستعداد للعدوّ كي لا يثبّطهم ما حصل من الهزيمة، فأمَرَهم بالصبر الذي هو جماع الفضائل وخصال الكمال.
(اصْبِرُوا) الصبر: حبس النفس عن أهوائها وشهواتها، وترويضها على تحمل المكاره، وتعويدها على أداء الطاعات.
وقد تقدمت فضائل الصبر.
(وَصَابِرُوا) وهي المغالبة بالصبر، بأن يكون المؤمن أشد صبراً من عدوه.
• قال صاحب الكشاف: وَصابِرُوا أعداء اللّه في الجهاد، أي غالبوهم في الصبر على شدائد الحرب، ولا تكونوا أقل منهم صبراً وثباتاً، فالمصابرة باب من الصبر ذكر بعد الصبر على ما يجب الصبر عليه تخصيصاً لشدته وصعوبته.
• وقال ابن جرير: قوله تعالى (وصابروا) يعني: وصابروا أعداءكم من المشركين، وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن المعروف من كلام العرب في"المفاعلة" أن تكون من فريقين، أو اثنين فصاعدًا، ولا تكون من واحد إلا قليلاً في أحرف معدودة. فإذْ كان ذلك كذلك، فإنما أمر المؤمنون أن يصابروا غيرهم من أعدائهم، حتى يظفرهم الله بهم، ويعلي كلمته، ويخزي أعداءهم، وأن لا يكون عدوُّهم أصبر منهم
• وقال ابن عاشور: ثم بالمصابرة وهي الصبر في وجه الصابر، وهذا أشدّ الصبر ثباتاً في النفس وأقربه إلى التزلزل، ذلك أنّ الصبر في وجه صابرٍ آخر شديد على نفس الصابر، لما يلاقيه من مقاومة قِرن له في الصبر قد يساويه أو يفوقه، ثم إنّ هذا المصابر إن لم يثبت على صبره حتّى يملّ قرنه فإنّه لا يجتني من صبره شيئاً، لأنّ نتيجة الصبر تكون لأطول الصابرين صبراً.
• قال الرازي: أما المصابرة فهي عبارة عن تحمل المكاره الواقعة بينه وبين الغير، ويدخل فيه تحمل الاخلاق الردية من أهل البيت والجيران والأقارب، ويدخل فيه ترك الانتقام ممن أساء إليك كما قال (وَأَعْرِض عَنِ الجاهلين) وقال (وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً) ويدخل فيه الايثار على الغير كما قال (وَيُؤْثِرُونَ على أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) ويدخل فيه العفو عمن ظلمك كما قال (وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ للتقوى).
(وَرَابِطُوا) من المرابطة وهي القيام على الثغور الإسلامية لحمايتها من الأعداء، فهي استعداد ودفاع وحماية لديار الإسلام من مهاجمة الأعداء.
قال الخليل بن أحمد: المرابطة ملازمة الثغور.
وقال ابن الأثير: الرباط في الأصل الإقامة على جهاد العدو في الحرب، وارتباط الخيل وإعدادها.