(وإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ) هذا الخطاب للرسول -صلى الله عليه وسلم- ولمن بعده من أهل الأمر حكمه، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء، وشذ أبو يوسف وإسماعيل بن علية فقالا: لا تصلى صلاة الخوف بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، لأن هذا الخطاب خاص برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا مدفوع فقد أمرنا الله باتباع رسوله التأسي به، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- (صلوا كما رأيتموني) والصحابة رضي الله عنهم أعرف بمعاني القرآن، وقد صلوها بعد موته -صلى الله عليه وسلم- غير مرّة.
• قال القرطبي: وهذه الآية خطاب للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وهو يتناول الأُمراء بعده إلى يوم القيامة، ومثله قوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) هذا قول كافة العلماء.
وشذ أبو يوسف وإسماعيل بن عُلَيَّة فقالا: لا نصلّي صلاة الخوف بعد النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ فإن الخطاب كان خاصاً له بقوله تعالى (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ) وإذا لم يكن فيهم لم يكن ذلك لهم؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ليس كغيره في ذلك، وكلهم كان يحب أن يأتمّ به ويصلّي خلفه، وليس أحد بعده يقوم في الفضل مقامه، والناس بعده تستوي أحوالهم وتتقارب؛ فلذلك يصلّي الإمام بفريق ويأمر من يصلّي بالفريق الآخر، وأما أن يصلوا بإمام واحد فل.
وقال الجمهور: إنا قد أمرنا باتباعه والتأسِّي به في غير ما آية وغير حديث، فقال تعالى (فَلْيَحْذَرِ الذين يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) وقال -صلى الله عليه وسلم- " صلّوا كما رأيتموني أُصلّي " فلزم اتباعه مطلقاً حتى يدلّ دليل واضح على الخصوص؛ ولو كان ما
ذكروه دليلاً على الخصوص للزم قصر الخطابات على من توجهت له، وحينئذ كان يلزم أن تكون الشريعة قاصرة على من خوطب بها؛ ثم إن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين اطرحوا توهّم الخصوص في هذه الصَّلاة وعَدَّوْه إلى غير النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وهم أعلم بالمقال وأقعد بالحال.
وقد قال تعالى (وَإِذَا رَأَيْتَ الذين يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حتى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) وهذا خطاب له، وأمّته داخلة فيه، ومثله كثير.
وقال تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً) وذلك لا يوجب الاقتصار عليه وحده، وأن مَن بعده يقوم في ذلك مقامه؛ فكذلك في قوله (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ).