ألا ترى أن أبا بكر الصدّيق في جماعة الصحابة -رضي الله عنهم- قاتلوا من تأوّل في الزكاة مثل ما تأوّلتموه في صلاة الخوف.
قال أبو عمر: ليس في أخذ الزكاة التي قد استوى فيها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ومن بعده من الخلفاء ما يشبه صلاة من صلّى خلف النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وصلّى خلف غيره؛ لأن أخذ الزكاة فائدتها توصيلها للمساكين، وليس فيها فضل للمعطي كما في الصَّلاة فضل للمصلّي خلفه.
(فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) أي: أردت أن تصلي بهم إماماً كقوله تعالى (وإذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا .. ) وكقوله تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).
(فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) يعني بعد أن تجعلهم طائفتين، طائفة بإزاء العدو، وطائفة تقوم منهم معك في الصلاة.
(وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) أي: الطائفة التي تصلي معه، وقيل: الضمير راجع إلى الطائفة التي بإزاء العدو، والأول أظهر، لأن الطائفة القائمة بإزاء العدو لابد أن تكون قائمة بأسلحتها، وإنما يحتاج إلى الأمر بذلك من كان في الصلاة، لأنه يظن أن ذلك ممنوع منه حال الصلاة فأمره الله بأن يكون آخذاً لسلاحه، أي: غير واضع له، وليس المراد الأخذ باليد، بل المراد أن يكونوا حاملين لسلاحهم ليتناولوه من قرب إذا احتاجوا إليه، وليكون ذلك أقطع لرجاء عدوهم من إمكان فرصته فيهم.
(فَإِذَا سَجَدُوا) أي: القائمون في الصلاة، والمعنى: أتموا الركعة تعبيراً بالسجود عن جميع الركعة أو عن جميع الصلاة.
• وعبر بالسجود عن الصلاة، لأنه ركن فيها، بل هو أعظم أركانها، وبه تنتهي الركعة.
(فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ) أي: من خلفكم تجاه العدو، أي: فلينصرفوا بعد الفراغ إلى مقابلة العدو للحراسة.
(وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا) وهي القائمة في مقابلة العدو التي لم تصل.
(فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) أي: ما بقي من صلاتك، وهو ركعة بعد انصراف الطائفة الأولى، وهذا دليل على أن الإمام يبقى.
(وَلْيَأْخُذُوا) أي: هذه الطائفة الأخرى
(حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) أي: وليأخذوا تيقظهم واحترازهم مع أسلحتهم، لما عسى أن يحدث من العدو.