(قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ) أي: قل يا محمد للناس: أأخبركم بخير مما زين للناس في هذه الحياة الدنيا من زهرتها ونعيمها، الذي هو زائل لا محالة.
• قال ابن عاشور: وافتتح الاستئناف بكلمة (قُلْ) للاهتمام بالمقول، والمخاطب بقل النبي -صلى الله عليه وسلم- والاستفهام للعرض تشويقاً من نفوس المخاطبين إلى تلقي ما سيقص عليهم كقوله تعالى (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ).
• قال الرازي: إنما قلنا: إن نعم الآخرة خير من نعم الدنيا، لأن نعم الدنيا مشوبة بالمضرة، ونعم الآخرة خالية عن شوب المضار بالكلية، وأيضاً فنعم الدنيا منقطعة لا محالة، ونعم الآخرة باقية لا محالة.
(لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) أي: اتقوا الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
(عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي: عند خالقهم وسيدهم ومالكم.
(جَنَّاتٌ) جمع جنة، الجنة في لغة العرب: البستان، لأن أشجاره الملتفة تجن الداخل فيه، وجاء إطلاق الجنة على البستان في القرآن في قوله (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ) أي البستان، وفي قوله (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ) وأما في الاصطلاح: فهي الدار التي أعدها الله لأوليائه، فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
(تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) أي: تجري من تحت قصورها الأنهار، وليس المعنى أنها تجري من تحت أرضها، والجري هو سير الماء على الأرض، والأنهار جمع نهر وهو الماء الكثير، وهذه الأنهار تجري من غير أخدود كما قال بعض السلف.
• وهذه الأنهار فصلها الله في هذه السورة كما سيأتي فقال (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً).
• قال ابن القيم: وهذا يدل على أمور: أحدها: وجود الأنهار فيها. الثاني: أنها جارية لا واقفة. الثالثة: أنها تحت غرفهم وقصورهم وبساتينهم كما هو المعهود في أنهار الدنيا.