عن أم سلمة قالت (يا رسول الله! تغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث، فنزلت (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ) رواه الترمذي.
(وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ) أي: لا تطمعوا فيما زاد الله به بعضكم على بعض من الأمور الدينية والدنيوية، سواء كان ذلك في الأمور المتعذرة وغير الممكنة كأن تتمنى النساء شيئاً من خصائص الرجال التي فضلهم الله بها كالجهاد ومضاعفة الميراث ونحو ذلك، أو في الأمور الممكنة التي يتعسر نيلها كأن يتمنى البعض ما فضل الله به البعض الآخر عليه من العلم والمال ونحو ذلك.
قال ابن عباس: لا يتمنى الرجل فيقول: ليت لو أن لي مال فلان وأهله، فنهي الله عن ذلك، ولكن ليسأل الله من فضله.
• قال ابن رجب: قوله تعالى (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ) فقد فُسِّرَ ذلك بالحسد، وهو تمنِّي الرجل نفس ما أُعطي أخوه من أهلٍ ومال، وأنْ ينتقل ذلك إليه، وفُسِّرَ بتمني ما هو ممتنع شرعاً أو قدراً، كتمني النِّساءِ أنْ يكنَّ رجالاً، أو يكون لهن مثلُ ما للرجالِ من الفضائلِ الدينية كالجهاد، والدنيوية كالميراثِ والعقلِ والشهادةِ ونحو ذلك، وقيل: إنَّ الآية تشمل ذلك كُلَّه.
ومع هذا كُلِّه، فينبغي للمؤمن أنْ يحزنَ لفواتِ الفضائل الدينية، ولهذا أُمِرَ أنْ ينظر في الدين إلى مَنْ فوقَه، وأنْ يُنافِسَ في طلب ذلك جهده وطاقته، كما قال تعالى (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمتَنَافِسُونَ).
• قال السعدي: قوله تعالى (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ) ينهى تعالى المؤمنين عن أن يتمنى بعضهم ما فضل الله به غيره من الأمور الممكنة وغير الممكنة، فلا تتمنى النساء خصائص الرجال التي بها فضلهم على النساء، ولا صاحب الفقر والنقص حالة الغنى والكمال تمنيا مجرداً لأن هذا هو الحسد بعينه، تمني نعمة الله على غيرك أن تكون لك ويسلب إياها، ولأنه يقتضي السخط على قدر الله والإخلاد إلى الكسل والأماني الباطلة التي لا يقترن بها عمل ولا كسب، وإنما المحمود أمران:
أن يسعى العبد على حسب قدرته بما ينفعه من مصالحه الدينية والدنيوية، ويسأل الله تعالى من فضله، فلا يتكل على نفسه ولا على غير ربه.