• قال ابن عاشور: قوله تعالى (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ) عطف على جملة (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ولا تقتلوا أنفسكم) والمناسبة بين الجملتين المتعاطفتين: أنّ التمنّي يحبّب للمُتمنّي الشيء الذي تمنّاه، فإذا أحبّه أتْبَعَه نفسه فرام تحصيله وافتُتن به، فربما بعثه ذلك الافتتان إلى تدبير الحيل لتحصيله إن لم يكن بيده، وإلى الاستئثار به عن صاحب الحقّ فيغمض عينه عن ملاحظة الواجب من إعطاء الحقّ صاحبه وعن مناهي الشريعة التي تضمّنتها الجمل المعطوف عليها.
فالنهي عن التمنّي وتطلّع النفوس إلى ما ليس لها جاء في هذه الآية عامّا، فكان كالتذييل للأحكام السابقة لسدّ ذرائعها وذرائع غيرها، فكان من جوامع الكلم في درء الشرور.
وقد كان التمنّي من أعظم وسائل الجرائم، فإنّه يفضي إلى الحسد، وقد كان أوّل جرم حصل في الأرض نشأ عن الحسد.
ولقد كثر ما انتهبت أموال، وقتلت نفوس للرغبة في بسطة رزق، أو فتنة نساء، أو نوال مُلك، والتاريخ طافح بحوادث من هذا القبيل.
والذي يبدو أنّ هذا التمنّي هو تمنّي أموال المثرين، وتمنّي أنصباء الوارثين، وتمنّي الاستئثار بأموال اليتامى ذكورهم وإناثهم، وتمنّي حرمان النساء من الميراث ليناسب ما سبق من إيتاء اليتامى أموالهم.
وإنصاف النساء في مُهورهنّ، وترك مضارّتهنّ إلجاء إلى إسقاط. (تفسير ابن عاشور).
• وهذا النهي للتحريم.
• والتمني: هو الطمع في طلب ما يعلم عدم حصوله لتعذره واستحالته، أو ما يغلب على الظن عدم حصوله لتعسره، فمن الأول قول الشاعر:
ألا ليت الشباب يعود يوماً … فأخبره بما فعل المشيب.
ومن الثاني: قول الفقير: ليتني غنياً، وقول الجاهل: ليتني عالماً.
• قال ابن عاشور: التمنّي هو طلب حصول ما يعسر حصوله للطالب.
• قوله تعالى (مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ) التفضيل الزيادة.
• وإنما نهى تعالى عن تمني ما فضل الله به البعض على البعض الآخر، لأن هذا هو الحسد المذموم، وفي الحسد مفاسد كثيرة من الاعتراض على قضاء الله وقدره وحكمته فيما قسم بين عباده.
• قال ابن كثير: ولا يرد على هذا ما ثبت في الصحيح (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، فيقول رجل: لو أن لي مثل ما لفلان لعملتُ مثله، فهما في الأجر سواء) فإن هذا شيء غير ما نهت عنه الآية، وذلك أن الحديث حضّ على تمني مثل نعمة هذا، والآية نهت عن تمني عين نعمة هذا.