(تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (١٤)). [النساء: ١٣ - ١٤].
(تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ) أي: هذه الفرائض والمقادير التي جعلها الله للورثة بحسب قربهم من الميت واحتياجهم إليه وفقدهم له عند عدمه، هي حدود الله فلا تعتدوها ولا تجاوزوها.
• قال الرازي: قوله تعالى (تِلْكَ) إشارة إلى ماذا؟ فيه قولان:
الأول: إنه إشارة إلى أحوال المواريث.
القول الثاني: إنه إشارة إلى كل ما ذكره من أول السورة إلى ههنا من بيان أموال الأيتام وأحكام الأنكحة وأحوال المواريث وهو قول الأصم.
حجة القول الأول: أن الضمير يعود إلى أقرب المذكورات.
وحجة القول الثاني: أن عوده إلى الأقرب إذا لم يمنع من عوده إلى الأبعد مانع يوجب عوده إلى الكل.
• حدود الله تنقسم إلى قسمين: حدود واجبات، وحدود محرمات، أما حدود الواجبات فهي ما أوجبه الله على عباده بشروطها وأركانها وواجباتها، وأما حدود النواهي فهي ما حرمه الله على عباده كالزنا واللواط وشرب الخمور وقتل النفس، فإذا قال الله (تلك حدود الله فلا تعتدوها) فهي من حدود الأوامر، وإذا قال (تلك حدود الله فلا تقربوها) فهي من حدود النواهي.
• قال الآلوسي: وأطلقت عليها الحدود لشبهها بها من حيث إن المكلف لا يجوز له أن يتجاوزها إلى غيرها.
(وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) أي: ومن يطع الله ورسوله بفعل ما أمر الله به واجتناب ما نهى الله عنه في كل شيء، ومن ذلك ما ورد ما أحكام الميراث في الآيات السابقة، فلم يزد بعض الورثة ولم ينقص بعضاً بحيلة ووسيلة، بل تركهم على حكم الله وفريضته وقسمته.
• قوله (ورسوله) محمد -صلى الله عليه وسلم-، لأن القرآن نزل عليه، ولا رسول بعده، وإنما عطف اسم الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو وصفه على اسمه بالواو، لأن طاعة الرسول طاعة لله، كما قال تعالى (من يطع الرسول فقد أطاع الله).
(يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ) أي: يكون جزاؤه دخول الجنان.