(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (١٨٦)). [آل عمران: ١٨٦].
(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) كقوله (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) أي: لا بد أن يبتلى المؤمن في شيء من ماله أو نفسه أو ولده أو أهله، ويبتلى المؤمن على قدر دينه، إن كان في دينه صلابة زيد في البلاء.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم- (مَا يَزَالُ البَلَاءُ بالمُؤمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ في نفسِهِ ووَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى الله تَعَالَى وَمَا عَلَيهِ خَطِيئَة) رواه الترمذي.
وعنه. قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْه) رواه البخاري.
• قال ابن رجب: في فوائد البلاء:
تذكير العبد بذنوبه فربما تاب ورجع.
زوال قسوة القلوب وحدوث رقتها.
انكساره لله وذلهِ وذلك أحب إلى الله من كثير من طاعات الطائعين.
أنها توجب للعبد الرجوع بقلبه إلى الله والوقوف ببابه والتضرع له والاستكانة.
أن البلاء يقطع قلب المؤمن عن الالتفات إلى المخلوق.
أن البلاء يوصل إلى قلبه لذة الصبر عليه أو الرضا به.
قال بعض السلف: إن العبد ليُمرَض فيذكر ذنوبه فيخرج منه مثل رأس الذباب من خشية الله فيغفر له.
وقال بعض العلماء: في بعض الكتب السابقة إن الله ليبتلي العبد وهو يحبه ليسمع تضرعه.
• وقال القاسمي: وللإمام عز الدين محمد بن عبد السلام، رحمه الله تعالى، كلام على فوائد المحن والرزايا يحسن إيراده هنا. قال عليه الرحمة: للمصائب والبلايا والمحن والرزايا فوائد تختلف باختلاف رتب الناس:
أحدها: معرفة عز الربوبية وقهرها.
والثانية: معرفة ذلة العبودية وكسرها، وإليه الإشارة بقوله تعالى (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، اعترفوا بأنهم
ملكه وعبيده، وأنهم راجعون إلى حكمه وتدبيره وقضائه وتقديره لا مفر لهم منه ولا محيد لهم عنه.
والثالثة: الإخلاص لله تعالى؛ إذ لا مرجع في رفع الشدائد إلا إليه، ولا معتمد في كشفها إلا عليه (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ).