(وَسَعَى فِي خَرَابِهَا) أي: وسعى، أي: اجتهد وبذل وسعه (في خرابها) الحسي والمعنوي، فالخراب الحسي هدمها وتخريبها وتقذيرها، والخراب المعنوي: منع الذاكرين لاسم الله فيها.
قال الرازي: السعي في تخريب المسجد قد يكون لوجهين.
أحدهما: منع المصلين والمتعبدين والمتعهدين له من دخوله فيكون ذلك تخريباً.
والثاني: بالهدم والتخريب وليس لأحد أن يقول: كيف يصح أن يتأول على بيت الله الحرام ولم يظهر فيه
التخريب، لأن منع الناس من إقامة شعار العبادة فيه يكون تخريباً له، وقيل: إن أبا بكر -رضي الله عنه- كان له موضع صلاة فخربته قريش لما هاجر.
(أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ) قيل: هذا خبر معناه الطلب، أي لا تمكنوا هؤلاء إذا قدرتم عليهم من دخولها إلا تحت الهدنة أو الجزية، ولهذا لما فتح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة أمر من العام القابل في سنة تسع أن ينادى برحاب منى: ألا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان.
وقيل: ما كان ينبغي لهم أن يدخلوا مساجد الله إلا خائفين على وجه التهديد وارتعاد الفرائص من المؤمنين أن يبطشوا بهم فضلاً أن يستولوا عليها ويمنعوا المؤمنين منها.
والمعنى: ما كان الحق والواجب إلا ذلك.
وقيل: إن هذا بشارة من الله للمسلمين أنه سيظهرهم على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد، وأنه يذل المشركين لهم، حتى لا يدخل المسجد الحرام أحد منهم إلا خائفاً يخاف أن يؤخذ فيعاقب أو يقتل إن لم يسلم.
قال القرطبي: ومن جعل الآية في النصارى روي أنه مرَّ زمان بعد بناء عمر بيت المقدس في الإسلام لا يدخله نصراني إلا أوجع ضرباً بعد أن كان متعبدهم.
(لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ) من جعل الآية في قريش، جعل الخزي في الدنيا: الفتح، وأن لا يدخل أحدهم المسجد الحرام إلا خائفاً
، لأن الجزاء من جنس العمل، فكما صَدوا المسلمين عن المسجد الحرام؛ صُدوا عنه.