• قال ابن كثير: أمر تعالى باستقبال الكعبة من جميع جهات الأرض شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، ولا يستثنى من هذا شيء سوى النافلة في حال السفر، فإنه يصليها حيثما توجه قالبه وقلبه نحو الكعبة، وكذا في حال المسايفة في القتال يصلي على كل حال، وكذا من جهل جهة القبلة يصلي باجتهاده وإن كان مخطئاً في نفس الأمر، لأن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها.
• قال الرازي: قوله تعالى (وجوهكم) المراد من الوجه ههنا جملة بدن الإنسان لأن الواجب على الإنسان أن يستقبل القبلة بجملته لا بوجهه فقط والوجه يذكر ويراد به نفس الشيء لأن الوجه أشرف الأعضاء ولأن بالوجه تميز بعض الناس عن بعض، فلهذا السبب قد يعبر عن كل الذات بالوجه.
• قوله تعالى (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) وإنما ذكر الحق تعالى شطر المسجد، أي: جهته، دون عين الكعبة، لأنه -عليه السلام- كان في المدينة، والبعيد يكفيه مراعاة الجهة، فإن استقبال عينها حَرجٌ عليه، بخلاف القريب، فإنه يسهل عليه مسامته العين. وقيل: إن جبريل -عليه السلام- عيّنها له بالوحي فسميت قبلة وحْي.
• فإن قيل: هل في الآية الكريمة تكرار؟
هذا ليس بتكرار، وبيانه من وجهين.
أحدهما: أن قوله تعالى (فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام) خطاب مع الرسول -عليه السلام- لا مع الأمة، وقوله (حيثمَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) خطاب مع الكل.
وثانيهما: أن المراد بالأولى مخاطبتهم وهم بالمدينة خاصة، وقد كان من الجائز لو وقع الاختصار عليه أن يظن أن هذه القبلة قبلة لأهل المدينة خاصة، فبين الله تعالى أنهم أينما حصلوا من بقاع الأرض يجب أن يستقبلوا نحو هذه القبلة.
(وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) أي: وإن اليهود يعلمون أن تحويل القبلة من بيت المقدس هو الحق من ربهم.
• فإن قيل: كيف يعلمون أنه حق وليس ذلك من دينهم ولا في كتابهم؟
قيل: أنهم لما علموا من كتابهم أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- نبي علموا أنه لا يقول إلا الحق.
وقيل: أنهم علموا من دينهم جواز النسخ.
وقيل: أن في كتابهم الأمر بالتوجه إليها.