للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

• قال تعالى (واليوم الآخر) أي يوم القيامة، وسمي آخراً لأنه لا يوم بعده.

(يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) الخداع: الإخفاء، فالذي يخادع يظهر شيئاً ويخفي شيئاً. ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم- (صلاة المرأة في مخدعها خير من صلاتها في بيتها) ومن قول العرب: انخدع الضب في جحره، والمعنى: أنهم يخادعون الله والمؤمنين بإظهار ما أظهروه من الإيمان مع إصرارهم على الكفر، يعتقدون - بجهلهم - أنهم يخدعون الله بذلك، وأن ذلك نافعهم عنده.

(وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) كما قال تعالى في آية أخرى (إن الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ).

• قال ابن كثير: قوله تعالى (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي: بإظهارهم ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر، يعتقدون بجهلهم أنهم يخدعون الله بذلك، وأن ذلك نافعهم عنده، وأنه يروج عليه كما يروج على بعض المؤمنين، كما قال تعالى (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ)؛ ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله (وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} يقول: وما يَغُرُّون بصنيعهم هذا ولا يخدعون إلا أنفسهم، وما يشعرون بذلك من أنفسهم، كما قال تعالى (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ).

• وقال الشوكاني: الإشعار بأنهم لما خادعوا من لا يخدع كانوا مخادعين لأنفسهم، لأن الخداع إنما يكون مع من لا يعرف البواطن، وأما من عرف البواطن فمن دخل معه في الخداع فإنما يخدع نفسه وما يشعر بذلك.

(وَمَا يَشْعُرُونَ) أي ما يشعر هؤلاء أن خداعهم على أنفسهم مع أنهم يباشرونه، ولكن لا يحسون به.

(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) المرض هو اعتلال الجسم، ومرض القلب خروجه عن صحته واعتداله، فهؤلاء قلوبهم مريضة، وهذا المرض الذي في قلوبهم هو مرض الشك والنفاق الناتج عن ضعف يقينهم وإيمانهم، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- في وصف المنافقين (مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة) رواه مسلم [العائرة: الحائرة].

وقد ذكر الله هذا المرض عن المنافقين في عدة آيات:

فقال تعالى (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلاءِ دِينُهُمْ).

وقال تعالى (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ).

وقال تعالى (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ).

(فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً) وقد اختلف العلماء في تأويل هذه الآية: فقيل: المراد الدعاء عليهم بزيادة المرض، وقيل: هو إخبار من الله تعالى عن زيادة مرضهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>